عامر صباح المرزك يُعد توفيق الحكيم أحد رواد الرواية العربية والكتابة المسرحية في العصر الحديث فهو من ابرز العلامات في حياتنا الأدبية والفكرية والثقافية في العالم العربي ، وقد امتد تأثيره لأجيال كثيرة متعاقبة من الأدباء والمبدعين ،
وهو أيضا رائد للمسرح الذهني ومؤسس هذا الفن المسرحي الجديد وهو ما جعله يُعد واحدا من المؤسسين الحقيقيين لفن الكتابة المسرحية ليس على مستوى الوطن العربي فحسب وإنما أيضا على المستوى العالمي . ولد توفيق اسماعيل الحكيم في الاسكندريه في العام 1899م لأب مصري يعمل في القضاء وكان والده على حظ وافر من الثراء ، وأما أمه تركية الأصل ، يذكر الحكيم انها كانت عنيفة الطباع ، ذات كبرياء واعتداد بأصلها عاش توفيق الحكيم في جو مترف ، حيث حرصت أمه على أن يأخذ الطابع الأرستقراطي، وقد سعت منذ اللحظة الأولى إلى أن تكون حياة بيتها مصطبغة باللون التركي ، وساعدها على ذلك زوجها. وقد تألق الحكيم واشتهر ككاتب مسرحي بعد النجاح الذي حققته مسرحية (أهل الكهف) التي نُشرت عام (1933م) التي مزج فيها بين الرمزية والواقعية على نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض . وأصبح هذا الاتجاه هو الذي يكوِّن مسرحيات الحكيم بذلك المزاج الخاص والأسلوب المتميز الذي عُرف به. ويتميز الرمز في أدب توفيق الحكيم بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض فـ(عودة الروح) هي الشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية وهو في هذه القصة يعمد إلى دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد . وتتجلى مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان ، ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصـب فيه إبداعه سواء في القصة أو المسرحية ، بالإضافة إلى تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته ، ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي . لقد أغنى الحكيم المكتبة العربية بعشرات المسرحيات منها (اهل الكهف ، إيزيس ، سليمان الحكيم ، إديبوس الملك ، الأيدي النّاعمة ، الاتّفاقية ، مسرحيّة الموت ، شمس النهار ، الطّعام لكلّ فم ، ياطالع الشجرة ، الرّحلة إلى المستقبل ، بايجماليون ، السلطان الحائر ، المسرح الفلسفي "21 مسرحية قصيرة" ، المسرح المجتمع "21 مسرحية قصيرة" ) . كما ترجمت العديد من مؤلفاته ومسرحياته إلى اللغات ألاجنبية كالفرنسية والإنجليزية والإيطالية والأسبانية والألمانية والروسية ومثلت بعض منها على مسارح باريس وبوخارست مثل : (يوميات نائب في الأرياف ، اهل الكهف , عصفور مـن الشرق) . وكما لديه مقالات عديدة وحوارات روايات وقصص وكتب سياسية وثقافية . وبالرغم من الإنتاج المسرحي الغزير للحكيم الذي يجعله في مقدمه كتاب المسرح العرب وفي صدارة رواده ، فإنه لم يكتب إلا عدداً قليلاً من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح ليشاهدها الجمهور ، وإنما كانت معظم مسرحياته من النوع الذي يمكن أن يطلق عليه (المسرح الذهني) ، الذي كُتب ليُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالماً من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة ويسر لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي . وهو يحرص على تأكيد تلك الحقيقة في العديد من كتاباته ، ويفسر صعوبة تجسيد مسرحياته وتمثيلها على خشبة المسرح فيقول : (إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز... لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة) . ولا ترجع أهمية توفيق الحكيم إلى كونه صاحب أول مسرحية عربية ناضجة بالمعيار النقدي الحديث فحسب ، وهي مسرحية (أهل الكهف) ، وصاحب أول رواية بذلك المعنى المفهوم للرواية الحديثة وهي رواية (عودة الروح) اللتان تم نشرهما في العام (1932م) ، وإنما ترجع أهميته أيضا إلى كونه أول مؤلف إبداعي استلهم في أعماله المسرحية الروائية موضوعات مستمدة من التراث المصري . وقد استلهم هذا التراث عبر عصوره المختلفة ، سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية ، كما أنه استمد أيضا شخصياته وقضاياه المسرحية والروائية من الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي المعاصر لأمته لذا منحته الحكومة المصرية اكبر وسام وهو (قلادة الجمهورية) تقديراً لما بذله من جهد من أجل الرقي بالفن والأدب وغزارة إنتاجه كما منح جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1961.
توفيق الحكيم رائد المسرح الذهني
نشر في: 21 نوفمبر, 2009: 02:28 م