أكان توفيق الحكيم يحتاج حقا الى شاهد في محكمة الذات التي اقامها وكان هو فيها القاضي والمتهم؟ اكان يحتاج حقا الى شهادة على عودة الوعي ، ثانية الى شيخ الادباء والفنانين العرب بعدما حجبت غيوم الاحداث.. وربما السنوات عنه رؤية الحقيقة في صفائها؟.
اغلب الظن ان الحكيم كان يحتاج الى شاهد عدل، والا لماذا كان هذا الحوار ؟ ولماذا حاصروه زمنا وذهبوا في استغلال اقواله كل مذهب، وخوفوه حتى من السفر لئلا يقتله العرب؟ بلى! يعترف الحكيم بان غشاوة ظللت عينيه يوما حين قال نعم للسلام مع اسرائيل وظن انها تؤتمن عليه.. وغاب عنه ان الذئب لايغير طباعه، وان هناك دنس هو اشد تلويثا لقدسية الارض من وطء اقدام العدو! اعرف مقدما وقبل ان ابدأ رحلة هذا الحوار الذي امتد اسبوعا كاملا ان الاطار الذي وضعوا فيه كلمات توفيق الحكيم لايعبر بدقة عن جوهرها، لان الموهبة العظيمة لايمكن ان تكون معادية للحقيقة او للناس ولان الموهبة العظيمة لايمكن ان تضل طريقها الى العدل. ولقد اخترت بعد تردد طال ان انشر جوانب من هذا الحوار اعتقد انها تعبر حقا عن حقيقية افكار توفيق الحكيم ومواقفه. واحسب مع ذلك ان توفيق الحكيم نفسه سوف يكون في مقدم الذين سيعتبون علي، او يغضبون مني، لان كلمته اخيرة لي في نهاية هذا الحوار كانت (ارجوك.. لا تجعلني اغضب احدا).. ويقيني ان توفيق الحكيم سيغضيب الكثيرين بهذا الحوار، ولكنه سيرضي جيشا من محبيه وعشاق فنه، وسيرضي قبلهم جميعا، الحقيقة والتاريخ.. بدأ الحوار بالحديث عن وضع المثقف في مجتمعنا وكانت كلمات توفيق الحكيم محددة قال: - لقد تضاءلت كلمة مثقف جدا لدرجة ان القليل من الناس يمكن ان تطلق عليهم الان وصف المثقف، ان الناس لاتقرأ، بل ان الكتاب انفسهم لايقرأون في الغالب الا ما يكتبون. قلت. *اليس لذلك سبب اجتماعي ؟ اقصد الم يتغير الوضع الاجتماعي للمثقفين؟ -بالطبع لقد نزل الوضع الاجتماعي للمثقفين وتدهور لان المجتمع نفسه قد تدهور ان الذين يملكون القرش الان هم الذين سيطروا اجتاعيا، وهذه الطبقة التي تملك القرشض لاتشغلها الثقافة ولاتعنيها وانما تعنيها الثروة فقط. لم تعد الفلوس في ايدي المثقفين وانما اصبحت في ايدي (السباكين) والسماسرة، وبتوع وكالة البلح،، وهذه بلا شك حالة خطرة. *الم تلخص ذلك بقولك هذا زمن انغلاق العقول، وانفتاح الجيوب؟.. -نعم، هذه هي الحقيقة. *اوليس الانفتاح الاقتصادي هو المسؤوعن عن ذلك؟. -طبعا، هو المسؤول.. لان هذا الانفتاح الاقتصادي انفتح من دون هدف، قيل: افتح فانتفح كل شيء، ودخل النصابون وكونوا الثروات الطائلة بسرعة رهيبة، انا لا ادري من اين يحصلون على كل هذه الاموال!. *مع ذلك فانت عبرت عن حبك للسادات؟. -لاننا سببنا له اذى في البداية، كانت معرفتنا به سببا في ايذائه. *تقصد موقفك من الحرب قبل عام 1973؟ -بالضبط، فعندما قال انه اخر قرار الحرب بسبب الضباب،، جمعت الكتاب واصدرت بيانا حادا قلت فيه اذا لم تكن ترى غير الضباب فاترك الحكم للشعب، وتسرب البيان الى الصحف اللبنانية، وقرأه السادات فكاد ان يجن، وقال (شوف الهباب اللي كتبه توفيق الحكيم، واخذ يشتمنا).. *لم يستمر هذا الموقف فقد تصالحتما. -لقد قال له بعض من يثق فيهم انه عاملني بشدة اكثر مما ينبغي. *اكان هيكل؟. -لا، اناس اخرون، فأرسل الي اشرف غربال وقال لي: الن تسقني القهوة؟ قلت: على حسابي ام على حساب رئيس التحرير؟ وفهمت انه جاء من طرفه لترضيتي. *ثم تقابلتما بعد ذلك؟. -كان يعرف انني لا احب ان ازور رئيسا، فرتب الامر بحيث لايعطني فرصة للاعتذار او التراجع. ابلغوني ان سيارة ستأتي لتنقنلي لمقابلة الرئيس فورا وركبت السيارة وانطلقت الى الرئاسة، ولكنه استقبلني بترحاب وحرارة وود، كنت مرتديا البارية (قبعة الحكيم المشهورة) ولا احمل العصا التي تركتها خارج المكتب، وفوجئت به يقول: اين العصا؟ انا لايمكن ان ارى الحكيم دون البارية والعصا. قلت له: وهل تريد ان ادخل على رئيس الدولة بالعصا. قال: (لا والله).. ودق الجرس، وقال احضروا عصا الحكيم، ولم يفاتحني في شيء، وانما استمر مجاملا فقلت لنفسي لافاتحه انا والا لماذا ارسل الي،، وحدثته عن قصة البيان، فرد بكلمات طيبة.. وتصالحنا، وبعد فترة وجيزة من المقابلة فوجئت بالعبور، فكتبت عبرنا الهزيمة.. *ومع ذلك فانت لك موقف من الانفتاح الاقتصادي كما قلت. -لهذا فانا غير مبسوط منه، كان لابد ان يحوش هذه البلاوي، ولكنه بدلا من ذلك انفعل ووضع الناس في السجن، ولخبط الدنيا وما كان ينبغي ان يكون هذا هو موقفه. *انت قمة الادب في مصر، فهل يزيد راتبك عن راتب اي موظف مصري في بنك اجنبي الان؟. -لا، ولا راتب اي راقصة، بل ان هذه الراقصة، في شارع الهرم، تحصل على النقطة اضافة الى ذلك.. انني لم ار احدا من هؤلاء العرب الذين يدفعون (النقطة) بسخاء الى الراقصات، يقول والله لقد اعجبتني هذه المقالة لفلان، او هذه القصة لفلان، ودفع له كما يدفع للراقصة. يبدو اننا لازم (نرقص) ايضا!! *وماذا تملك في (البنك)؟. -لاشيء، لكن مايعزي الواحد احيانا ان لنا قيمة غير محسوبة، اضرب لك مثلا، في هذه المستشفى اجتمع مجلس الادارة برئاسة عثمان احمد عثمان، وقرروا علاجي
هكذا تكلم توفيق الحكيم: هذا زمن انغلاق العقول وانفتاح الجيوب
نشر في: 21 نوفمبر, 2009: 02:30 م