يشي الشكل الهندسي المنتظم المصطفى لكتلة المكتبة، بمسعى وراء تحقيق تلك البساطة المرتجاة، والتأكيد على خصوصية المادة الإنشائية المستخدمة، هي التى بمقدورها أن تضفي مصداقية مضافة لقرار اختيار ذلك الشكل. ينصّف المعمار واجهته الجانبية، التي اختارها لتكون الواجهة الغنية بمفردات معالجاته الفنية. (إذ ان تعبيرية الواجهة الرئيسية، كانت محتشمة بزهدها، واقتصرت على محض سطوح آجرية موقع في منتصفها المدخل الرئيس، تعلوه "فجوة" منحسرة نحو الداخل). وهذا التنصيف، هو في الحقيقة، ما هو إلا استدلال لتخوم شكلين أساسيين متواجدين في هذه الواجهة. أولهما، الأعلى، شكل مربع غائر إلى الداخل، مدهون سطحه بالبياض، وثانيهما، الأسفل، سطح آجري بارز، يماثل شكله شكل المربع الأعلى. ثمة شقوق عميقة في الجدار، كناية عن نوافذ طولية، تمتد من حد قريب إلى السقف، لتنتهي بحد قريب إلى مستوى الأرضية. ويفصل بين المربعات العلوية، إطار آجري بمستوى سطح الجدار في المنطقة السفلية. أي أننا ، في الواقع، إزاء قرار تصميمي ينشد خلق منظومة تكوينية، قوامها اجتراح شكل محدد ونقيضه. وهذا الشكل المعني، يكون موقعه في الجدار، داخلا وخارجا بالتناوب والتعاقب، مشكلا تعبيرية لغة الواجهة الجانبية، التي اعتبرت بمثابة الواجهة الأساسية.وطالما اقتصر المصمم على خاصية الطابوق وحده لإضفاء قيم جمالية لمبناه، فإننا وددنا ان يكون تنوع أساليب الرصف فيه حاضرة بقوة، زيادة في تأثيراتها الجمالية. ذلك لأن المعمار لم يولِ اهتماماً كثيراً لنوعية حدود الانتقالات بين السطوح البارزة والغائرة، مثلما لم يراعٍ أهمية تذكر لبدء رصف الجدار وقفلاته، التي كان يمكن ان تثري معالجة الواجهات، وتضيف لها قوة تعبيرية أكيدة. وهي نقيصة تصميمية، مثلما هي خلل تكويني. والحال ان "ثقافة" رصف الطابوق، يتعين ان تكون ضمن أوليات المعمار العراقي وإحدى قضايا التعبير الفني للعمارة العراقية التي بها تمتلك خصوصيتها، وإضافاتها إلى المنجز المعماري العالمي. فاستخدام الطابوق كمادة إنشائية، لم يكن مقتصرا في مسار تاريخ العمارة العراقية على خاصيته التركبية، بقدر ما كان موضع اهتمام لجهة إبراز حمولته الفنية التشكيلية. ومنذ أيام بابل القديمة، كان الطابوق، بهيئته المنتظمة ومقياسه المتواضع، في أيدي المعماريين العراقيين الوسيلة الأساسية والرئيسية في اجتراح تنوع عمارة الأبنية العراقية التي أسست لحضور الطابوق، وجعلت منه مادة إنشائية عالمية الانتشار والاستعمال. 

ومع هذا، فان عمارة مبنى مكتبة كربلاء العامة، تظل تعتبر بكونها أضافت الكثير إلى نسيج البيئة المحلية، وأثرت خصوصية العمران فيها. ورغم تواضع كتلتها، فإنها أبانت في الوقت نفسه، الكثير من الإمكانات المضمرة في المادة التقليدية، عندما تكون في يدي معمار مجّد يسعى وراء تحديث الاستخدامات التقليدية لتلك المادة الأثيرة لدى كثر من المعماريين العراقيين، التى مابرحت تعتبر جزءًا من الذاكرة البصرية للبيئة المحلية.

ود. محمد مكيه معمار المبنى، ولد في بغداد عام 1914، وسينظم بعض المعماريين والمثقفين العراقيين ، بالتعاون مع أمانة بغداد، ندوة تكريمية ببغداد يومي 5 و6 نيسان 2014، مكرسة إلى مئويته. إذ أن المعمار سيحتفل في هذه السنة ببلوغ مئة عام من عمره المديد. وستكون هذه الندوة التي سيحضرها كثر من المعماريين والمثقفين العراقيين والعرب، بمثابة تكريم رمزي ومعنوي من قبل المدينة التي ولد وترعرع فيها وصمم لها أبنية، تعد الآن "أيقونات" بصرية في العاصمة العراقية. وستلقى في الندوة إياها، كلمات وبحوث تتعلق بسيرة المعمار المئوي وإنجازه التصميمي وطبيعة مقاربته المعمارية. وهذه الندوة هي المرحلة الأخيرة من سلسلة أنشطة، قام بها بعض المعماريين لتكريم هذا الحدث الهام والفريد في العمارة والثقافة بالعراق والاحتفاء به. إذ اصدر لفيف من المعماريين والمثقفين العراقيين، قبل فترة، بيانا تكريميا بمناسبة قرب حلول مئويته، ونشر على نطاق واسع في الميديا العربية، ثم صدر، مؤخراً، كتاب جديد عنه بعنوان "محمد مكيه: 100 عام من العمارة والحياة" لمؤلفه د. خالد السلطاني، وسيوزع ببغداد أثناء الندوة. صمم محمد مكيه عدة مبانٍ بالعرق وفي بلدان الخليج؛ وعدت تلك المباني شواهد مهمة في المدن التى نفذت بها تلك المشاريع، منها "مسجد الخلفاء" ببغداد (1963)، ومصرف الرافدين في كربلاء (أزيل مع الأسف)، وكذلك فرع مصرف الرافدين في الكوفة (1968) <الذي هو الآخر، أزيل بصورة تعسفيه في التسعينات، وقدم لفيف من المعماريين والمثقفين العراقيين بياناً يناشدون به المسؤولين المحليين، إعادة بنائه مجددا، كإيماءة احترام للمعمار "المئوي" وإثراءً للنسيج البنائي للمدينة التي شيد فيها ذلك المبنى الاستثنائي بقيمته المعمارية>. وقد وافقت محافظة النجف الأشرف على طلبهم ذلك، ويجرى الآن اختيار موقع خاص لإعادة تشييد عمارة ذلك المبنى المهم. كما صمم غرفة التجارة والصناعة في المنامة، البحرين (1975)، ومسجد الكويت الكبير (1976)، ومشروع جامع الدولة الكبير في بغداد (1982)، وغيرها من المشاريع المهمة الأخرى. مقيم الآن في لندن.