اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > في مستشفى الرشاد للأمراض العقلية..1200 مريض و(11) طبيبا فقط يعملون بصمت

في مستشفى الرشاد للأمراض العقلية..1200 مريض و(11) طبيبا فقط يعملون بصمت

نشر في: 5 إبريل, 2014: 09:01 م

لم يخطر فى ذهن عبد الكريم رشيد من سكنة منطقة الكاظمية  ابن الستين عاماً أن يقضى (عقوبة ) تمتد الى أكثـر من 32عاما وهو يسكن إحدى غرف مستشفى الرشاد للأمراض العقلية فى بغداد بعد ان أرتكب جريمة  جنائية بحق والدته، عبد الكريم يروي لـ ( المدى ) ا

لم يخطر فى ذهن عبد الكريم رشيد من سكنة منطقة الكاظمية  ابن الستين عاماً أن يقضى (عقوبة ) تمتد الى أكثـر من 32عاما وهو يسكن إحدى غرف مستشفى الرشاد للأمراض العقلية فى بغداد بعد ان أرتكب جريمة  جنائية بحق والدته، عبد الكريم يروي لـ ( المدى ) انه قبل أكثـر من 30 عاماً قتل والدته من دون وعي آنذاك  وأمضى هذه الفترة الطويلة والشاقة في المستشفى  دون أن يأذن له  أهله بالدخول الى داره بعد ان تم الاستيلاء على جميع حقوقه حسب قوله.

الإرث هو السبب الحقيقي
عبد الكريم قال إنه " بعد عام 2003 وبعد أعمال السلب والنهب التي طالت المستشفى ايضاً أخذت معي ماكنة الخياطة التى تعلمت من خلالها فن الخياطة وأودعتها إحدى الحسينيات آنذاك وقمت بزيارة أهلي لكنهم لم يسمحوا لي بالدخول وكذلك فعل الأقرباء، وبعد رحلة طويلة بين الأقرباء علمت أني غير مرغوب في خصوصاً أني أنتمي إلى عائلة معروفة في المنطقة وأُسبب لهم العار كوني أحد مرضى مستشفى الرشاد وهذه ( وصمة ) في نظرهم" .
عبد الكريم أوضح أن السبب الحقيقي وراء ذلك هو الاستيلاء على جميع الحقوق المالية وبضمنها الإرث الذي أستحقه من أملاك العائلة وهذا هو السبب الحقيقي لرفض العديد من العوائل استقبالنا كي نمارس حياتنا بشكل اعتيادى فى المجتمع  .
أعمل مشرفاً على البحيرة
عبد الكريم أشار إلى أنه وبفضل إدارة المستشفى ولغرض سـد حاجته والايفاء ببعض الالتزامات المادية قامت ادارة المستشفى بتشغيله مع الآخرين بأجر يومي وهو الآن مشرف على البحيرة التي يوجد فيها كمّ هائل من الاسماك وتعلـم العديد من الموجودين صبر الصيد ، وهناك الكثير من الذين تماثلوا للشفاء أو قيد العلاج جاءوا إلى هنا  ليمارسوا عملية الصيد بشكل يومي وهناك مأدبة للسمك المسكوف بين فترة وأخرى . عبد الكريم تساءل لو ارتكبت الجريمة وأنا بكامل قواي العقلية لاستفدت من قوانين العفو التي صدرت من (القائد الضرورة).
سأعلـِّم الطلبة  فــن الرسم والخـط
فاضل حسين علي معلم من منطقة شهربان فى ديالى يعيش في المستشفى منذ اكثر من  ثماني  سنوات هو الآخر اكتسب الشفاء بعد ان كان مصاباً بـ (الهذيان) حسب وصف الفريق المعالج له. وقال فاضل إنه منذ فترة طويلة عانى من مشاكل نفسية وكان يقوم بضرب والدته والاعتداء عليها، ما دفع العائلة إلى إحالته الى أطباء أحالوه الى المشفى حيث استفاد من العلاج .
وأوضح أن  والدته تقوم  بزيارته بشكل مستمر ومنظـَّم "وأنا لا أشكو من أية اضطرابات وممكن ان أتناول الدواء في البيت وقد استفدت من  برنامج التأهيل وتعلمت هنا الرسم والخط  وهو عالم جميل وسأعلـِّم الطلبة أهمية هذا الفن"، فاضل لم يكشف أسباب بقائه هذه الفترة هنا لكنه برر ذلك بأنه من اجل راحة الأهل والأقرباء وأن لا يريد أن يسبب لهم الحرج .
بانتظار رحمة زوجة ابنها
أم سعد  54 عاماً من سكنة  بابل تنتظر موافقة زوجة ابنها لتتمكن من العودة إلى البيت وتروي أنها ومنذ أكثر من ثلاث سنوات تتلقى العلاج في المستشفى وهي عبارة عن مجموعة من الحبوب والكبسول، وتشعر بحالة جيدة وعلمت من ابنتها أن ابنها الكبير سعد سيأتي لاستلامها من المستشفى وهي تنتظر منذ أكثر من سنة ، الممرضة المشرفة على حالة أم سعد تشير إلى أن حالتها مستقرة ويمكن ان تمارس حياتها بشكل اعتيادي وليس لديها أية مخاطر أو تصرفات (فاقدة الذهنية) ولكن وبعد اتصالات عـــدة مع أهلها " علمنا أن زوجة سعد لا ترغب بأن تعود الى البيت وهي حالة من مئات الحالات الموجودة في المستشفى بسبب رفض ذويهم، وأصبح الأمر طبيعياً لنا" .
المستشفى الوحيد في البــلاد
مدير عام دائرة صحة بغداد الرصافة الدكتور هاني بدر موسى قال " نحن نولي أهمية كبيرة لمستشفى الرشاد كونه المسشفى الوحيد في البلاد وملزمون بتقديم جميع انواع الخدمات العلاجية والدوائية والفندقية وتوفير الملاك المتخصص" . وأشار بدر إلى "أن  للرشاد خصوصية بسبب الوضع المأساوي والإنساني  للمرضى الراقدين والذين تجاوزت أعدادهم 1200 مريض بضمنهم المحالين من اللجان العدلية  المتهمين في قضايا جنائية وهذا رقم غير طبيعي"، وتابع بدر"إننا نعاني من مشكلة  في التخصيص المالي إذ نقوم بعملية نقل أموال من مستشفيات أ خرى بغية تسديد ما مطلوب من التزامات مالية على ادارة المستشفى إضافة الى قلـة الملاك العامل من الأطباء الاختصاصيين وهذه مشكلة الوزارة ايضاً ، فيما تتمثل المشكلة الأكبر في رفض ذوي المرضى الذين تمّ تأهيلهم لاستقبالهم مما يجبرنا على الاستمرار في تقديم الخدمات الفندقية وبحساب بسيط" وتسائل كيف تقديم خدمات فندقية لهذا العــدد الهائل والتخصيص محدود.
بدر دعا وزارة العــمل والشؤون الاجتماعية ومجالس المحافظات الى إنشاء مستشفيات متخصصة لمرضى الامراض النفسية في المحافظات بغية تقليل الزخم الحاصل في بغداد وهو الوحيد ما بين المحافظات ، كما دعا إلى إنشاء دور لهم والعمل بجد لإيواء الأشخاص الذين تم تأهيلهم واكتسبوا الشفاء التام ولكن عوائلهم  ترفض استقبالهم وعودتهم الى الحياة كأفراد يعيشون حياة كريمة ، منوِّها إلى أن هناك أعداداً كبيرة من المرضى الذين  اكتسبوا الشفاء وما زالوا يرقدون في المستشفى ، بدر دعا أيضاً  مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل الى أهمية التعامل بالقضايا الخاصة بالمتهمين بقضايا جنائية الى الأخـذ بنظر الحسبان المشاكل الحاصلة في إحالة أي شخص الى اللجنة العدلية بسبب ادعاء البعض منهم أنه مصاب بمرض نفسي .
شمول 115 مريضاً  من الرجال والنســاء
مثنى وليد  أحد الموجودين في المستشفى منذ اربع سنوات استفاد من برامج التأهيل وهو من  محافظة البصرة أشار أنه بصحة جيدة ولكن لم يزره أحد من عائلته منذ أكثر من سنتين رغم أنه شفي ويأخذ العلاج بشكل اعتيادي  . مثنى  كان سعيداً جداً بسبب إخباره بشموله وموافقة فريق (الشبكة تصل اليكم ) التابعة لوزارة العمل التي  زارت المستشفى  واطلعت  على أوضاع العديد من الموجودين ، حيث قررت الشبكة  شموله برواتب شبكة  الحماية الاجتماعية التي شملت  أيضا 115 من الموجودين في المستشفى رجالا ونسـاءً.
 أكثـر من 1200 مريض
الدكتور نعمة الياسين مسؤول فسم التأهيل النفسي أوضح  أن أبواب المستشفى وردهاتها مفتوحة امام      ( المدى ) باستثناء ردهة ابن الهيثم وهي مخصصة للمرضى الذين يتم احالتهم من قبل اللجنة العليا العدلية وهم متهمون بقضايا جنائية لايسمح لهم بلقاء أي شخص حسب تعليمات وزارة الداخلية. الياسين وصف المستشفى بأعرق وأقدم مؤسسة صحية معنية بالأمراض النفسية في الشرق الأوسط عموماً وفي العراق خصوصاً فهي أُنشئت في عام 1950، وتحوي أكثر من  1200 مريض  من النساء والرجال تماثل الأغلب منهم للشفاء وهم يشكلون 84% ولكن ذويهم يرفضون استقبالهم. الياسين  يشير إلى  ان المستشفى يقدِّم العلاج الدوائي للمرضى بالاضافة الى انشاء واستحداث عــدد من القاعات التشغيلية لغرض التأهيل مثل توفير مرسم وقاعات للقراءة وهنالك برامج رياضية ، كما " نحرص على متابعة برنامج التغذية الذي يقدّم لثلاث وجبات على مستوى جيــد" ، موضحاً أن المعاناة تأتي من  قلة الكادر الطبي والبالغ 11طبيببا لحد الان بالاضافة الى وجود أكثر من 110 لكادر وسطي" ، والمؤسف أن  البعض يتصورأن المرضى تمارس بحقهم أنواع الضرب من قبلنا وهذا غير وارد ، وأغلب الموجودين يمارسون أعمالهم وحياتهم بشكل اعتيادي ويمكن لهم الخروج إلى الساحات وممارسة هواياتهم ولكن يوجد القليل منهم ( فاقد الذهنية ) وهولاء يتم متابعتهم من قبل الملاك الوسطي على مدار ساعات اليوم . ودعا جميع الجهات المعنية والمنظمات الانسانية والحكومية الى زيارة المستشفى ومعرفة  الجهد المقدم من الملاك العامل ومقارنته بالآخرين بالإضافة الى أهمية توعية المجتمع على أن تأهيل أي مريض لا يعني أنها ( وصمة) له ولعائلته .
أكثـر من 250 مليون دينار الإنفاق الشهري  
الدكتور علي حسين العامري مدير قسم الطب النفسي العدلي  قدَّم شرحاً  عن طبيعة الخدمات العلاجية للراقدين  والمعوقات التي تواجه الملاكات العاملين فيها والمتمثلة بقلة عدد الملاك الطبي والملاك المساعد ايضاً موضحاً "أن العمل في المستشفى لغرض علاج المرضى اصبح محط سخرية من قبل الزملاء" كاشفاً أن كلفة العلاج تتراوح بين 60 الى 75 مليون دينار شهرياً عـدا الوجبات الثلاث المقدمة للنزيل والتي تقدَّر بأكثر من 250 مليون دينار شهرياً .
زيادة في أعداد المرضى
أم رغــد (معينة) تعمل في المستشفى منذ أكثر من 20 عاماً وهي المسؤولة عن ردهة النساء  تشير إلى أن الكثير من الموجودات بصحة جيدة و( أعقل منها ) تروي ان بعض العوائل تتصل بها للسؤال عن حال ابنتها  أو أختها  وأطالبها بأن تأتي وتستلمها كونها لا تحتاج الى الرقود في المستشفى وقد شُفيت تماماً ، لكنهم يرفضون.. ووصفت لنا ان إحدى العوائل في منطقة الكريعات التي تمتلك دارا مساحته 300 متر ترفض أن تستلم أختهم  تحت مبرر أين تسكن....؟
أم رغــد أشارت الى أن هناك زيادة كبيرة في أعداد الداخلين  من المرضى من النساء والرجال الأغلب منهم بسب المشاكل العائلية .
مهرجان الربيع كـل عـام
إدارة المستشفى حرصت على اقامة العديد من الفعاليات والنشاطات الفنية والرياضية  بين المرضى حيث نظمت مهرجان الربيع في اليوم  الاول من نيسان من كل عام وحضرته المدى هذه السنة  وأوضح سعد جويعد مسؤول وحدة الإعلام أن المهرجان يضم العديد من الفعاليات الرياضية والفنية والثقافية يشارك فيه المرضى الموجودين ممن في طريقهم الى الشفاء او ممن اكتسب الشفاء التام وهنا نشاهد اليوم وكأن المستشفى في احتفال والجميع هنا فرحين بذلك .
الحروب وزيادة أعــداد القتلى
الدكتور النفسي الاختصاصي  عبد الرزاق علي يوضح أن المجتمع العراقي تعرض ولا يزال إلى مجموعة من الضغوط النفسية نتيجة الوضع القائم وهذا يؤثر على جميع افراد المجتمع كونه تعرَّض لأكثر من أربعة حروب على امتداد ثلاثة عقود، بل وصل الامر الى مشاهدة جرائم القتل فى الشارع،  عبد الرزاق يشير إلى  أنه  حصل انفكاك في بعض الأُسر وتعرَّض الآخر الى أزمات نفسية ما خلق العديد من الأزمات النفسية لدى المجتمع .
عبد الرزاق عــدَّ أن وجود  مستشفى الرشاد  الوحيد في البلاد يجب ان يكون محط اهتمام المعنيين والمختصين ويجب أن يُسهم الجميع من الوزارات والمؤسسات الاجتماعية لحل الاشكالات الحاصلة فيه   واصفاً برامج التأهيل أنها قد حققت الأهداف المرجوة والعلاج ، لكن المشكلة الأكبر هي  رفض عوائل المرضى  عودتهم  إلى المجتمع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram