المالكي منفعل هذه الأيام، في كل خطاب نراه أكثر عصبية ، يرفع إصبعه بوجه كل من يتحدث عن تحديد ولاية رئيس مجلس الوزراء ، قواته الدفاعية على أهبة الاستعداد لملاحقة ومحاصرة كل من تسول له نفسه الحديث عن اخطاء الحكومة وخيباتها، يريد منا نحن العراقيين ألا نغادر عصر السمع والطاعة، يقول لك: "لولا دولة القانون لاشتعلت البلاد بحرب طائفية حتى يومنا هذا"، يصر على ان التغيير الذي حصل في العراق لم يكن يوم 4/9/2003، وانما حسب التقويم المالكي ، فان شرارة الربيع العراقي حصلت "منذ ثماني سنوات ونريد ان نستمر فيه".
المالكي ومعه ائتلاف دولة القانون يطالبوننا بان نقلب " الروزنامة " جيدا، كي نعرف انه لولا لطف الخالق بعباده المساكين من العراقيين لتحول العراق اليوم الى مستنقع للجريمة والفساد، ولاننا شعب طيب فلا بد من " الطبطبة " علينا قبل الذهاب الى فراش النوم ، وتنبيهنا بان ليس في الامكان احسن مما كان.
يريدون منا ان نتعلم من تجارب الدول المتحضرة التي لها باع طويل في الديمقراطية، ويضرب لنا النائب كمال الساعدي مثلا ببريطانيا التي سمحت لرئيسة وزرائها مارغريت تاتشر ان تتولى رئاسة الوزراء ثلاث دورات، وينسى السيد النائب الذي لم يشاهد للأسف فيلم السيدة الحديدية للعبقرية ميريل ستريب ، كيف أن تاتشر قدمت استقالتها بعد ان تأكدت من عدم مقدرتها على التفاهم مع أحزاب المعارضة، ولم تكتف بذلك بل انها طلبت إعفاءها من رئاسة حزب المحافظين.
في 22 آذار 1945 اقترع البريطانيون على خسارة تشرشل الذي قاد بلادهم إلى النصر في الحرب العالمية الثانية.. لم يفعل صاحب شارة النصر الشهيرة شيئا ، سوى أن قال لسكرتيرته: " إنها الديمقراطية التي ستجعلني أنصرف إلى هوايتي المفضلة ، الرسم والكتابة"، وبعد سنوات يقترع الفرنسيون ضد التعديل الدستوري الذي اقترحه ديغول ، ولم يفعل الجنرال الذي حرر فرنسا من الألمان ، سوى أن وجه رسالة قصيرة للشعب جاء فيها:" اعتبارا من اليوم أتوقف عن ممارسة عملي رئيساً للجمهورية ".
أوهم حسني مبارك نفسه بأن العناية الإلهية معه ولم يجد جوابا حين سُئل مرة عن خليفته في حكم مصر إلا أن يقول:" الله وحده يعلم من سيكون خليفتي، وأنا أفضّل من يفضّله الله " ومثله مثل العديد من مسؤولينا الأشاوس، اعتقد مبارك أن العناية الإلهية هي التي تختار الرؤساء، وهي وحدها من تملك الحق بابتعادهم عن الكرسي، ولهذا فلا علاقة للناس باختيار الحاكم، فهذا شأن مقدس لا يجوز الاقتراب منه.
في مقابل صورة المسؤول الملتصق بكرسيه، نشاهد يومياً صوراً لمسؤولين يعتبرون أنفسهم جزءاً من التغيير والتطور الذي يشهده العالم.. لم نسمع أحداً منهم يعتقد أنه ورث الكرسي الى ابد الابدين.
في عراق اليوم يصرّ العديد من مسؤولينا على المضي قدما في إعادة إنتاج نظام استبدادي جديد، ولهذا نراهم يرفضون مبدأ التداول السلمي للسلطة محذرين من ان تتحول الخلافات على المناصب الى نزاعات مسلحة.. أو ان غياب إئتلاف دولة القانون عن السلطة، سيدفع بالبلاد الى فوضى، كما بشرنا المالكي أمس.
لا أريد من هذا المقال، مقارنة ساستنا بديغول أو تشرشل.. فأكيد لا أحد منهم لديه هواية الرسم والكتابة.. وايضا لا أحد منهم يؤمن بالتداول السلمي للسلطة.. فنحن لا نملك برلماناً يذهب إليه المسؤول ليقدم كشف حساب بما قدمه للناس.. وما من قضاء يحاسب المخطئ.. لا شيء سوى دولة رئيس مجلس الوزراء، ومعالي ومقربيه الذين أضاعوا عشرة أعوام من أعمارنا.
الأنظمة الديمقراطية تعطي الحق للناس بانتخاب من يمثلهم في المؤسسات التشريعية والتنفيذية.. لكن ديمقراطيتنا "العرجاء" تريد أن تنقل إلينا نموذج "الزعيم الأوحد".. وحين نقول يا سادة، دورتان من السلطة ألا تكفي؟! يكون الجواب: إننا وحدنا القادرون على إنقاذ البلاد من الكوارث، وإننا ماسكو العراق، ولولانا لانفرط عقده.
عندما يصر رئيس ائتلاف دولة القانون على وضع تاريخ للعراقيين يبدا من لحظة جلوسه على الكرسي .. فهو يهين الدماء والأرواح التي قدمها هذا الشعب على مدى عقود طويلة من اجل ان يتنفس هواء الديمقراطية الحقة.
التاريخ على طريقة المالكي
[post-views]
نشر في: 5 إبريل, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
أبو سعد
سيدي العراقي كمال الساعدي وحسن السنيد وعباس البياتي والكارثه حنان الفتلاوي والموسوي مستشار سعادة رئيس الوزراء والمستشاره القانونيه التي لاتعرف كم هو عدد ال 50 زائد واحد في البرلمان هم سبب كارثة السيد المالكي ....المالكي ليس فاشلا في تاريخه السياسي ضد النظ
ابو اثير
سيدي الفاضل ... أن من أحد أسباب تشبث السلطان بولاية ثالثة والقتال في سبيل الحصول عليها بشتى السبل كالضغط على الناخبين من أفراد القوات المسلحة وأحتواء الممثلية المستقلة للأنتخابات وتحريك القضاء نحو الخصوم وأيجاد الذرائع لأبعادهم وخوض العمليات العسكرية والق
الفارس
انته ماكافي ( تمسلت )
ام حسين
الأخ العزيز الاستاذ علي حسين منذ سنتين وانا أتابع مقالاتك التي تنشر على صفحة عراقنا، أني لست بكاتبة ولا أستطيع التعبير عن ما يدور في داخلي من الألم والحزن على عراقنا الجريح ولكني اجد في مقالاتك صرخة مدوية في أذان المسؤولين . مزيداً من المقالات عسى ان تكو