ترجمة: ياسين طه حافظغاية هذا الكتاب، الذي قد يستغرق مجلدات في السنوات القادمة، هي أن أتتبع قصة حياتي. انه كتاب يقدم الكتب بوصفها خبرة أساسية موحية. هو ليست دراسة نقدية ولا يتضمن برنامجاً لتربية النفس. واحدة من نتائج اختبار النفس، هي ما يصل إليها ال
ترجمة: ياسين طه حافظ
غاية هذا الكتاب، الذي قد يستغرق مجلدات في السنوات القادمة، هي أن أتتبع قصة حياتي. انه كتاب يقدم الكتب بوصفها خبرة أساسية موحية. هو ليست دراسة نقدية ولا يتضمن برنامجاً لتربية النفس. واحدة من نتائج اختبار النفس، هي ما يصل إليها الكتاب. إنها الإيمان الثابت بأن تكون قراءة المرء أقل وأقل وليس اكثـر واكثـر. وكما تكشف نظرة إلى قائمة الكتب في نهاية الكتاب، فأنا باحث ليست له الحماسة للكتب، حماسة المثقف جداً. مع ذلك ومن دون شك، ما قرأته يظل اكثـر مما قرأته لفائدتي. خمس الناس فقط هم قرّاء الكتب في أمريكا. كما يقولون. وحتى هذا العدد الصغير يقرأون اكثـر مما يلزم. نادراً ما يعيشون حياتهم بحكمة و امتلاء.
هنالك دائماً كتب ثورية مغيرّة، كما يعبّرون. هي كتب موحاة وموحية. وهي كتب قليلة ومتباعدة طبعاً. يكون الإنسان محظوظاً إذا حظي بعدد قليل من هذه الكتب في حياته. علماً بان هذه الكتب هي ليست تلك التي تغزو عموم الناس. إنها الذخيرة المُخَبّأة التي تغذّي ناساً أقل موهبة لكنهم يعرفون كيف يميلون لإنسان في الشارع. الحجم الكبير للأدب في الشارع، هو من أوصل لي هذه الفكرة. المسألة التي لا تُحَلّ – يا للعجب! هي إلى أي مدى سيكون هذا الكتاب فاعلاً ليستر الكمّ المنهال من العلف الرخيص؟ الشيء الوحيد الأكيد اليوم هو أن الأُميّ ليس هو الأقل ثقافةً بيننا.
إن كانت المعرفة أو الحكمة هما ما نبحث عنه ،فالأفضل ان نتجه مباشرة إلى مصادرهما مباشرة. وهنا لا يكون المصدر هو الدارس أو الفيلسوف ولا الأستاذ ولا القديس أو المعلم، بل هو الحياة نفسها. تجربة الحياة المباشرة .. الشيء نفسه بالنسبة للفن. هنا أيضاً يمكن ان نعفي "الأساتذة". حين أقول الحياة فأنا، للتأكيد، احمل في ذهني نوعاً آخر من الحياة غير التي نعرفها اليوم. احمل في ذهني نوع الحياة التي تحدث عنها د.هـ. لورنس في Estrucan Places أو تلك التي تحدث عنها هنري آدمز "حين حكمت العذراء عالم البراءة".
في هذا العصر الذي نعتقد فيه بان هناك منفذاً قصيراً إلى كل شيء، يكون الدرس الأعظم الذي يجب تعلمه هو أن أصعب الطرق في السباق الطويل، هو الأسهل. كل ما قُدِّمَ في كتب، كل تلك التي بدت حيوية جداً ومقنعة، إنما هي بعض ضئيل مما بمقدور أي شخص ان يستقي منها. كل نطرياتنا في التربية تقوم على فكرة غامضة تقول إننا يجب ان نتعلم السباحة على الأرض قبل النزول إلى الماء. هذه الفكرة أو النظرية تُطبّق على الفنون مثلما تطبق على المعرفة.
الناس ما يزالون يُعَلمَّون كيف يبدعون من دراسة أعمال الآخرين. أو ان يرسموا خططاً أو تخطيطات لا لكي تتجسّد. يُعلّمون الكتابة في الصفوف المدرسية بدلاً من ان يُعلّموها في زحام الحياة. ما يزال الطلبة يُعْطَون نماذج يُفْتَرَض أنها تلائم كلّ مزاج وكل ذكاء. فلاعجب إذن إننا ننتج مهندسين وخبراء صناعيين افضل مما ننتج حتى رسامين.
أعتبر مواجهاتي للكتب شبيهة بمواجهاتي لظواهر الحياة الأخرى أو للفكر.
كل المواجهات مختلطة الأشكال وليست منفصلة. بهذا المعنى، وهذا المعنى فقط، تكون الكتب بعضاً من الحياة كما هي الأشجار والنجوم أو الروث! ليس لي خلاف مع الكتب لذاتها كما اني لا أضع المؤلفين في أي مرتبة أخرى متميزة. هم مثل بقية البشر، لا أفضل ولا أسوأ. أنهم يستثمرون القوى التي وُهِبوا مثل أي نمط آخر من البشر.
وإذا دافعت عنهم الآن ومن بعد، بوصفهم طبقة- فلأنهم لم يحققوا المكانة والتقدير اللذين يستحقونهما. العظماء منهم غالباً أكباش فداء.
فلأنظر إلى نفسي وقد كنت قارئاً أحب رؤية إنسان يشق طريقه خلال غابة، ولم يكن هدفي العيش في غابة- إنما للخروج منها! قناعتي الثابتة بألاّ ضرورة للعيش في غابة الكتب هذه. الحياة غابة كافية. غابة حقيقية جداً ومتنوّرة جداً، وهذا اقل ما يقال فيها. ولكنك قد تسأل: ألا يمكن أن تكون الكتب عوناً، تكون دليلاً لشقّ طريقنا خلال الأدغال؟ قال نابليون "لا تبتعدوا كثيراً حتى تعرفوا إلى أين"
"Nira pas lion celui qui sait dlavance ou it veut allen
غاية هذا العمل الأولى هو إيجاد ملاذ حيث الحاجة إلى الملاذ. ومهمتي، اعلم سلفاً مستحيلة التحقيق لكنني انزل على ركبتي لأشكر كل عشبة وأن ارفع رأسها. ما يستهويني في هذا العمل اللامجدي هو حقيقة أننا عموماً نعرف القليل جداً عن المؤثرات التي تشكل حياة الكاتب وعمله. الناقد في أفكاره المتباهية وصولجانه يحرِف الصورة الحقيقية إلى ما وراء أي إدراك. والمؤلف مهما رأى نفسه صادقاً، فهو لا مناص قد أعطى الصورة غير شكلها. هي تأتي منه متنِكرّة. والسيكولوجي ببعده الواحد في النظر إلى الأشياء، لا يقول اكثر مما يعمّق الغموض. وأنا، مؤلِفّاَ، لا أرى نفسي استثناءً من القاعدة. أنا أيضاً أأثمُ في التغيير والتحريف. وفي تغيير مظهر الحقائق- إن كانت هناك "حقائق". لقد انتهى جهد الوعي بالنسبة لي إلى خطأ في الجانب الآخر. بينما أنا في جانب الإلهام إذا لم اكن دائما في جانب الجمال، الحقيقة، الحكمة، الانسجام والكمال. بهذه أكون دائم التطور.
في عملي هذا أقدم قائمة بيانات طازجة لكي تُحلَّل وتُحاكمَ أو تُقْبَل ويتَمتّع بها لأجل المتعة حسب. طبيعي أنا لا أستطيع الكتابة عن جميع الكتب التي قرأت ولا حتى عن كل المُقنع منها. ولكنني قررت المضي في الكتابة عن الكتب والمؤلفين وأهميتهم لي في هذا الميدان. ولأستفيد من هذا الواجب اللاشكر وراءه، واجب إدراج كل الكتب التي أتذكر ان قراءتها منحتني بهجة ورضى. لا اعرف مؤلفاً مجنوناً حدَّ ان يحاول مثل هذا. لعل قائمتي ستعطيني المزيد من الفوضى – لكن غرضها ليس ذلك. فأولئك الذين يعرفون كيف يقرأون الإنسان يعرفون كيف يقرؤون كتبه. لذلك فالكتب تتحدث عن نفسها.
في الكتابة عن Aomralisme لكَويته (جوته)، فان جولي دي جوتير يستشهد بنص منه يعني: ان في لب هذا الكتاب يوجد حنين أصيل إلى الماضي وهو ليس حنيناً للماضي نفسه، كما يبدو أحياناً، ولا هو حنين إلى المتعذر استرداده. إنه حنين إلى لحظات عِيشَتْ كاملةً إلى أقصاها. هذه اللحظات تظهر أحياناً خلال التماس مع الكتب، أحياناً خلال التماس مع الرجال والنساء الذين أراهم كتباً حيّة". أحياناً يكون حنيناً لرفقة أولئك الصبيان الذين ترعرعت معهم والذين صارت الكتب من بعد أقوى رباط بيننا.
وهنا يجب الإقرار بأن هذه الذكريات، مهما كانت مشرقة ومثيرة ليست بشيء مهم أهمية الأيام التي أمضيت في صحبة تلك الأطياف المكسوة باللحم، أولئك الأولاد- ما يزالون بالنسبة لي أولادا! لقد غابوا بأسمائهم الفانية: جوني باول، ادين كارني، ليستر ريردون، جون وجيمي دون.. أولئك الذين لم أرَ واحداً منهم يحمل كتاباً أو يميل لكتاب .. غاية الأمر، وسواء قالها كَويته أو كولتير ، فأنا أيضا اؤمن إيمانا أكيداً بأن الحنين الحقيقي دائماً ما يكون منتجاً ويؤدي إلى إبداع أشياء جديدة وأفضل. فلو كان مجرد استعادة الماضي، سواء بشكل كتب، أشخاص، أحداث .. سيكون عندئذ عملي عبثاً وغير ذي جدوى. سيكون بارداً وميتاً، كما قد يبدو الآن. هو عندئذ قائمة عنوانات تُعطى آخر الكتاب. قد تبدو هذه لبعض الأرواح الرقيقة المفتاح الذي يفتحون به ليلتقوا باللحظات الحيّة، بالمتعة والبهجة التي خلفوها في الماضي..
عن/ The Books in My Life Henry Mille