TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > حقيقة التمييز ضد الأقباط

حقيقة التمييز ضد الأقباط

نشر في: 21 نوفمبر, 2009: 03:51 م

فريدة النقاش للعام الثالث على التوالي يصر المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي أنشأته الحكومة على ضرورة إصدار القانون الموحد لدور العبادة، ليساوي بين المواطنين من الديانات كافة في بناء وترميم دور العبادة، كذلك عبر تقرير المجلس عن قلقه البالغ إزاء تزايد مظاهر الاحتقان الطائفي بين المواطنين المصريين المسلمين والأقباط،
وهو ما أدى إلى أن أي احتكاك أو نزاع طبيعي يتحول بسرعة إلى عنف طائفي كما يقول يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة (وطني)، والذي يكتب مقالا أسبوعيا في الجريدة بعنوان جانبي هو (قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها)، وهو عنوان بالغ الدلالة على ظاهرة ثقافية وسياسية مهمة في حياتنا، إذ يتبع كل من نظام الحكم والمجتمع ذاته استراتيجية النعامة التي تخفي رأسها في الرمال، ويتحدث سياسيون ومثقفون حديثا جميلا عن الوحدة الوطنية والنسيج الواحد للمجتمع المصري والأخوة بين المسلمين والأقباط بينما يجري التمييز على قدم وساق ضد الأقباط سواء في بعض مؤسسات الدولة أو في المجتمع بين المواطنين أنفسهم والحكايات التي نسمعها من أصدقائنا، أو تلك التي يكتبها كل أسبوع (يوسف سيدهم)، أو التي ترصدها منظمات حقوق الإنسان، خير شاهد على حقيقة أن التمييز يمد جذوره بثبات في التربة المصرية وسوف يفعل إلى أن يأتي الوقت الذي يصبح فيه عصيا علي الاقتلاع بعد أن تكررت الممارسات التمييزية، وهو ما وصفه الكاتب (بالمتاعب والمهانة والإذلال الذي يعانيه الأقباط في كل ما يحاولون بناءه - سواء كان كنيسة أو مبنى خدمات أو مسكنا خاصا - مع السلطات الرسمية بدءا بالمحافظ، ومرورا على السلطات الأمنية والإدارية التي يبدو أنها نذرت نفسها جميعا لمضايقة الأقباط والتربص بهم دون أدنى حياء أو خجل، وفي ظل اطمئنانها لغياب كل أشكال الرقابة والمساءلة). وهي خلاصة تؤكد لنا أن اضطهاد الأقباط ليس مزاعم أو مجرد ممارسات فردية، وإنما هو عمل مؤسسي منظم يبدأ من دستور البلاد الذي يجعل من الإسلام باعتباره دين الأغلبية دينا للدولة والمصدر الرئيسي للتشريع فيها، وهو النص الذي تستقوي به جماعة الإخوان المسلمين ضد الأقباط، وتعلن صراحة في وثائقها وأدبياتها أنه لا يجوز ولا يحق لأي منهم تولي المناصب الرئيسية في البلاد من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الوزراء، وصولا إلى إغراق الإعلام الرسمي في القضايا الدينية إلى أن أصبحت الفتاوى تحل تدريجيا محل القانون، وهو ما يعود بالمجتمع تدريجيا إلى حالة ما قبل الحداثة وما قبل المواطنة، ويدفع بالأقباط إلى كنائسهم وقسسهم، والمسلمين إلى جوامعهم وشيوخهم، وتتعمق الهوة بين الأقباط والمسلمين لأن قوى رجعية متعصبة أخذت تحتكر تفسير النصوص الدينية على الجانبين وتبث الكراهية والعداء واحتقار الآخر، ويتحول الرابط الديني ليصبح مركزيا بديلا عن الرابط الوطني. وتتغذى هذه الأوضاع على حالة الحرمان من الحقوق في ظل القيود على الحريات الديمقراطية من جهة، والإفقار المتزايد للملايين من جهة أخرى كحصاد للسياسات الاقتصادية الاجتماعية التي أحدثت انقساما طبقيا غير مسبوق في المجتمع المصري فأصبحت القلة الغنية أكثر غنى والأغلبية الفقيرة أكثر فقرا. ويجني الحكم القائم أقصى فائدة من هذه الوضعية المزرية إذ أنها تفضي إلى تصريف الغضب الجماهيري ضد السياسات الحكومية التي يتزاوج فيها الفساد والاستبداد ليجري الغضب في مسارات دينية، بعد أن أفضت هذه السياسات ذاتها إلى إضعاف القوى الديمقراطية وإفساح المجال للإخوان المسلمين والتيارات الدينية المتطرفة لا فحسب لتحتل الفضاء العام وإنما أيضا لتحل محل الدولة التي انسحبت من ميدان الخدمات وقلصت إنفاقها عليها. وتتوافق هذه الوضعية الخطرة والمنذرة مع الاستراتيجية التي اتبعتها الإمبريالية والرأسمالية الاحتكارية على الصعيد العالمي والتي عجزت عن حل أزماتها المتفاقمة بوسائل عقلانية، وأدركت جيدا أن الخروج الصحي من هذه الأزمات سوف يؤدي إلى هلاكها فأخذت تخطط لإغراق العالم في الدين، وفي التفسيرات الرجعية للنصوص، وتساند النظم ذات الطابع الديني الاستبدادي من أجل مصالحها. بل وتمول وتسلح منظمات مثل طالبان والقاعدة لمحاربة الشيوعية وتنشئ إسرائيل باسم وعد توراتي لليهود لتغرس دولة دينية في قلب منطقتنا. والقوى الديمقراطية والاشتراكية والمثقفون العقلانيون النقديون مطالبون بالتكاتف لوضع استراتيجية لمواجهة هذه الحالة المنذرة بالمخاطر والدفاع عنها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram