TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صم بكم عمي!

صم بكم عمي!

نشر في: 8 إبريل, 2014: 06:42 م

بريطانيا هي الدولة الديمقراطية الأولى في العصر الحديث، تجري فيها الانتخابات سنوياً تقريباً  (الانتخابات البرلمانية كل أربع سنوات وكذا المحلية وانتخابات البرلمان الاوروبي. وكثيراً ما تُنظّم فيها أيضاً انتخابات الإعادة لاختيار بدلاء عن المتوفين أو المستقيلين أو المكلفين بمهام تتعارض مع مهامهم التمثيلية).
في بريطانيا محظور على المترشحين، بمن فيهم رئيس الحكومة الذي هو زعيم الحزب الحاكم، تنظيم دعاية انتخابية في الشوارع والساحات العامة، فلا صور ولا لافتات ولا فليكسات تُعلّق على الجدران أو أعمدة الكهرباء والتلفون، ولا أي مظهر آخر ينبئ أو يوحي بوجود عملية انتخابية. المسموح به هو تنظيم اجتماعات انتخابية في أماكن مغلقة. ومحطات التلفزيون، وبخاصة بي بي سي، تمنح فرصاً محدودة، ومتساوية للغاية في وقتها، لزعماء الاحزاب المشاركة في الانتخابات للتحدث الى الناخبين عن البرامج الانتخابية لاحزابهم.
مع هذا فان البريطانيين يتعرفون على نحو جيد على المترشحين في الأسابيع القليلة التي تسبق موعد الانتخابات، فالبريد يحمل اليهم في بيوتهم، في مظاريف أنيقة، منشورات حزبية تتضمن برنامج كل حزب من الاحزاب المتنافسة، وتعريفاً بمرشحيه، واستمارة تدعو للانتماء إلى الحزب اذا كان برنامجه مثيرا للاهتمام، واستمارة أخرى للتبرع للحزب.
نعم هذا كل شيء في الدعاية الانتخابية في بريطانيا وسواها من الديمقراطيات العريقة، وهو مخالف لما يجري عندنا، حيث تتحول شوارعنا وساحاتنا العامة الى أسواق هرج تضج على نحو مزعج للغاية بصور المترشحين ولافتاتهم التي ما تلبث ان تزيد من تشويه مدننا المشوّهة في الأصل.
المترشحون الى انتخاباتنا وأحزابهم لا يعنيهم، في ما يبدو، ان يقدموا الى الناخبين برامج يصوّت لها الناس وينتخبونهم من أجلها.. انهم يهتمون بمظهرهم.. صور ملونة مشغولة على الفوتوشوب لتحسين أشكال المترشحين، وشعارات براقة تتكرر كل انتخابات ولا يتحقق منها شيء.
في الدول الديمقراطية المتقدمة تهتم الأحزاب والجماعات السياسية بعقول الناس وتتسابق لبلوغها، بخلاف احزابنا وكتلنا السياسية التي تركّز في اهتمامها على العواطف، فتطلق الوعود  ولا شيء غيرها.. حتى الاحزاب والكتل التي أعلنت عن برامج سياسية واقتصادية واجتماعية قبل بدء الحملة الانتخابية، نسيت في ما يبدو هذه البرامج، فلا تعريف بها ولا مقتطفات منها.
باختصار ان أحزابنا وكتلنا السياسية تريد للناخبين أن يذهبوا إلى مراكز الاقتراع صماً بكماً عميا لا يفقهون، ويصوتون لصالح الهويات الدينية والطائفية والقومية والقبلية.
باختصار أشد، اننا بهذا لا نشكّل نظاماً ديمقراطياً ولا نبني مجتمعاً ديمقراطياً ولا نؤسس لدولة ديمقراطية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram