تفتح الاشتباكات الأخيرة بين قوى الأمن الأردنية، وعدد من اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري ملفاً شائكاً، وجدت السلطات الأردنية نفسها مُجبرة على تقليب صفحاته، وهي التي استقبلت أعداداً هائلة من مواطني جارتها الشمالية، لجأوا إليها بحثا عن الأمان، بعد أن استفحلت الأمور في بلدهم، وخرجت عن نطاق أي منطق، وظلت الحدود مفتوحة حتى تجاوز عديد اللاجئين النصف مليون إنسان، يعيش فقراؤهم في مخيم الزعتري وأغنياؤهم في أرقى أحياء عمّان، وقد بدأوا نشاطات اقتصادية متنوعة، تركزت في معظمها على الخدمات ذات الطابع السياحي، فباتت شوارع العاصمة الأردنية تغص بأسماء محلات كانت مشهورة في دمشق، وانتقلت بشهرتها الى العاصمة الأردنية.
في المحافظات تتواجد أعداد من السوريين، إما ضيوفاً عند أقارب أو أصهار، أو بحثاً عن كُلف أدنى للمعيشة، تتناسب مع ما حملوه من مدخرات، وهم يرفضون الحياة في مخيم الزعتري، التي ينبغي القول إنها شديدة البؤس، وبينما خصصت السلطات مخيما للعسكريين لايغادرونه وهم منضبطون في هذا الإطار، فانها حظرت على سكان الزعتري المغادرة، وهم يعيشون على المساعدات الشحيحة، التي لاتكاد تكفي الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، ويقال إنه في هذا "المجتمع" تفشت ممارسات يرفضها المجتمع الأردني، وتشكلت عصابات تستقوي على السكان الذين لايملكون حولاً ولاقوة، وهناك أحاديث عن تسلل أعداد من مؤيدي الرئيس الأسد إلى المخيم، بقصد إثارة المشاكل.
ضغط الوجود السوري على عصب الاقتصاد الأردني العليل أصلاً، فاستهلاك المياه على سبيل المثال يشكل نقطة مثيرة للقلق، في بلد يعد من الأفقر عالميا في مصادر المياه، واضطرت بعض المدارس الحكومية إلى اللجوء لنظام الفترتين لاستيعاب الطلبة السوريين، ويقال إن عدد السوريين في مدينة المفرق تجاوز عدد السكان الأصليين، ومن ناحية أخرى فإن معظم المحلات التجارية في عمان وبقية المدن، تفضل استخدام العامل السوري لمهارته أولاً، ولقبوله براتب لايمكن للأردني قبوله، حتى أن العمالة المصرية باتت تشتكي من المنافسة التي يتقنها السوري ويمارسها بمهارة.
يقول بعض السوريين إنهم لايفكرون بالعودة إلى وطنهم، حتى لو انتهى النمط الحالي من الصراع والمواجهات المسلحة، فهم يدركون أن سوريا بحاجة لعقود لتعود كما كانت، وهم مستعدون لتحمل الظرف البائس في منفاهم ويفضلونه على ما ينتظرهم حين عودتهم، ذلك يعني أن 20% من سكان الأردن سيكونون من السوريين بكل ما يخلفه هذا العدد من ضغوط ليس آخرها تغيير الطبيعة الديموغرافية للبلد المثقل بأعباء اللجوء منذ نشأة الدولة الأردنية قبل حوالي 100 عام، وبحيث بات سكانه الأصليون أقلية تخشى على مصالحها، صحيح أنه مع كل هجرة استفاد الأردن بشكل من الأشكال لكن الصحيح أيضاً أن شريحة واسعة من الأردنيين غير راضية عن ذلك.
المثير هو اندلاع الاشتباكات بين قوى الأمن الأردني واللاجئين السوريين، وكشف الاشتباك الأخير الذي أدى لحالتي وفاة على الأقل، عن وجود أسلحة في المخيم، وبديهي أن هذا خط أحمر بالنسبة للسلطات الأردنية، التي اشتبكت بالنيران مؤخراً مع سوريين حاولوا دخول الأراضي الأردنية بأسلحتهم، وتم صدهم وتدمير سياراتهم، وإذا كان البعض يشتكي من منافسة السوريين الاقتصادية فإن ذلك لايشكل هاجساً للحكومة التي يتركز اهتمامها على المحافظة على الوضع الأمني المستقر، وإذا كانت الدولة فقدت هيبتها عند المواطن لأسباب مختلفة، فإنها ترفض بالتأكيد أن يمتد فقدان الهيبة إلى اللاجئين، وهو ما تنذر به حالات كالتي حدثت مؤخراً في الزعتري، وهي تضيف معضلة إلى بلد مثقل بالمعضلات.
معضلة لبلد لاتنقصه المعضلات
[post-views]
نشر في: 8 إبريل, 2014: 09:01 م