TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معضلة لبلد لاتنقصه المعضلات

معضلة لبلد لاتنقصه المعضلات

نشر في: 8 إبريل, 2014: 09:01 م

تفتح الاشتباكات الأخيرة بين قوى الأمن الأردنية، وعدد من اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري ملفاً شائكاً، وجدت السلطات الأردنية نفسها مُجبرة على تقليب صفحاته، وهي التي استقبلت أعداداً هائلة من مواطني جارتها الشمالية، لجأوا إليها بحثا عن الأمان، بعد أن استفحلت الأمور في بلدهم، وخرجت عن نطاق أي منطق، وظلت الحدود مفتوحة حتى تجاوز عديد اللاجئين النصف مليون إنسان، يعيش فقراؤهم في مخيم الزعتري وأغنياؤهم في أرقى أحياء عمّان، وقد بدأوا نشاطات اقتصادية متنوعة، تركزت في معظمها على الخدمات ذات الطابع السياحي، فباتت شوارع العاصمة الأردنية تغص بأسماء محلات كانت مشهورة في دمشق، وانتقلت بشهرتها الى العاصمة الأردنية.
في المحافظات تتواجد أعداد من السوريين، إما ضيوفاً عند أقارب أو أصهار، أو بحثاً عن كُلف أدنى للمعيشة، تتناسب مع ما حملوه من مدخرات، وهم يرفضون الحياة في مخيم الزعتري، التي ينبغي القول إنها شديدة البؤس، وبينما خصصت السلطات مخيما للعسكريين لايغادرونه وهم منضبطون في هذا الإطار،  فانها حظرت على سكان الزعتري المغادرة، وهم يعيشون على المساعدات الشحيحة، التي لاتكاد تكفي الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم، ويقال إنه في هذا "المجتمع" تفشت ممارسات يرفضها المجتمع الأردني، وتشكلت عصابات تستقوي على السكان الذين لايملكون حولاً ولاقوة، وهناك أحاديث عن تسلل أعداد من مؤيدي الرئيس الأسد إلى المخيم، بقصد إثارة المشاكل.
ضغط الوجود السوري على عصب الاقتصاد الأردني العليل أصلاً، فاستهلاك المياه على سبيل المثال يشكل نقطة مثيرة للقلق، في بلد يعد من الأفقر عالميا في مصادر المياه، واضطرت بعض المدارس الحكومية إلى اللجوء لنظام الفترتين لاستيعاب الطلبة السوريين، ويقال إن عدد السوريين في مدينة المفرق تجاوز عدد السكان الأصليين، ومن ناحية أخرى فإن معظم المحلات التجارية في عمان وبقية المدن، تفضل استخدام العامل السوري لمهارته أولاً، ولقبوله براتب لايمكن للأردني قبوله، حتى أن العمالة المصرية باتت تشتكي من المنافسة التي يتقنها السوري ويمارسها بمهارة.
يقول بعض السوريين إنهم لايفكرون بالعودة إلى وطنهم، حتى لو انتهى النمط الحالي من الصراع والمواجهات المسلحة، فهم يدركون أن سوريا بحاجة لعقود لتعود كما كانت، وهم مستعدون لتحمل الظرف البائس في منفاهم ويفضلونه على ما ينتظرهم حين عودتهم، ذلك يعني أن 20% من سكان الأردن سيكونون من السوريين بكل ما يخلفه هذا العدد من ضغوط ليس آخرها تغيير الطبيعة الديموغرافية للبلد المثقل بأعباء اللجوء منذ نشأة الدولة الأردنية قبل حوالي 100 عام، وبحيث بات سكانه الأصليون أقلية تخشى على مصالحها، صحيح أنه مع كل هجرة استفاد الأردن بشكل من الأشكال لكن الصحيح أيضاً أن شريحة واسعة من الأردنيين غير راضية عن ذلك.
المثير هو اندلاع الاشتباكات بين قوى الأمن الأردني واللاجئين السوريين، وكشف الاشتباك الأخير الذي أدى لحالتي وفاة على الأقل، عن وجود أسلحة في المخيم، وبديهي أن هذا خط أحمر بالنسبة للسلطات الأردنية، التي اشتبكت بالنيران مؤخراً مع سوريين حاولوا دخول الأراضي الأردنية بأسلحتهم، وتم صدهم وتدمير سياراتهم، وإذا كان البعض يشتكي من منافسة السوريين الاقتصادية فإن ذلك لايشكل هاجساً للحكومة التي يتركز اهتمامها على المحافظة على الوضع الأمني المستقر، وإذا كانت الدولة فقدت هيبتها عند المواطن لأسباب مختلفة، فإنها ترفض بالتأكيد أن يمتد فقدان الهيبة إلى اللاجئين، وهو ما تنذر به حالات كالتي حدثت مؤخراً في الزعتري، وهي تضيف معضلة إلى بلد مثقل بالمعضلات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram