لا يزال الغموض سيد الموقف لجهة من يكون الرئيس القادم للبنان، بعد أن حُسم أمر عدم التجديد للرئيس ميشال سليمان، وبدأ الطامحون في سكن قصر بعبدا سباقهم المحموم، حتى دون التشاور مع الحلفاء، العماد عون البالغ من العمر ثمانين عاماً لم ييأس من تحقيق حلمه، وبما هو معروف عنه من عنجهية صرح بأنه إما أن يكون هو الرئيس، أو أنه لن يكون هناك رئيس، بالطبع يعتمد أساسا على كتلته النيابية الوازنة، وعلى تحالفه مع حزب الله، الذي لم يُعلن بعد تأييده لترشيحه، واكتفى أمينه العام بالإعلان أن الأمر يحتاج للتوافق على رئيس قوي، على أن لا تفوق قوته قوة الحزب الذي يبدو أنه ينتظر توافقاً سعودياً إيرانياً يحسم المسألة، ويحدد اسم الرئيس العتيد، وبعدها سيعلن الحزب اسم من يدعمه، وبحيث تبدو الصورة وكأن الشيخ حسن نصر الله تحول إلى صانع ملوك، بعد أن ظلت هذه الصفة ملتصقة بكمال جنبلاط، ولم يتمكن وريثه وليد من الدخول تحت عباءتها.
خلال عدة عقود كانت دمشق، بما لها من قوة عسكرية على الأرض، ونفوذ على السياسيين اللبنانيين تفرض اسم الرئيس، حتى لو بخرق الدستور، وكانت في كل ذلك تتمتع بدعم إقليمي ودولي واضحين، على قاعدة أن الهدف هو الحفاظ على أمن وطن الأرز، ومنع أوضاعه من التفجر، لم يعد الأمر اليوم كما كان، فدمشق عاجزة عن فرض الرئيس العتيد، لكنها لا تزال قادرة على تعطيل انتخاب من لا ترضى عنه، القوى المحلية تستعيد بعض دورها في هذا المجال، طبعاً تحتاج دعماً إقليمياً يأتي من الرياض أو طهران، ودولياً يصدر من باريس أولاً، وهي تناور اليوم بين المرشحين الرئيسيين عون وجعجع، لينال قرارها لاحقاً بركات واشنطن، التي تواصل الإعلان عن أنها لن تتدخل بشكل مباشر، وأن ما يعنيها هو أن يتم الأمر في موعده.
لا يعني ما يشاع عن قوة الخصمين الأبرز أن الساحة لهما وحدهما، إذ يتداول المعنيون في بورصة المرشحين أسماء أخرى، لكل منها نصيب من الحظوظ، فالعماد جان قهوجي قائد الجيش قد يكون مناسباً، لكن سلبية طرح اسمه تتمثل في تكريس فكرة أن موقع قائد الجيش هو الخطوة الأخيرة في طريق رئاسة الجمهورية، وهناك حاكم البنك المركزي رياض سلامة، وهو يبدو شخصية توافقية تُخرج وطن الأرز من رئاسة القادمين من المؤسسة العسكرية، وهناك روبير غانم، وجان عبيد، والمهم أن الصرح البطريركي لم يعلن موقفه بعد، وإن كان الجميع يرى أنه سيدعم الجنرال عون، إن انحصرت المنافسة بينه وبين جعجع، ولن يكون غريباً أو مثيراً للدهشة أن يكون الرئيس القادم من خارج هذه اللائحة، وأن اسمه سيظل طي الكتمان والمشاورات حتى اللحظة الأخيرة.
للسياسة في لبنان نكهتها التي لاتشبه غيرها، ومواقف سياسييها قابلة للتبدل بحسب الظروف، ولذلك فان احتمال وصول عون لقصر بعبدا ليس مستحيلاً، رغم أنه عاش منفياً في باريس خمسة عشر عاماً، وتحالف مع الأميركيين ثم عاد وعينه على الرئاسة لا يقبل أقل منها، كما لن يكون خارقاً للعادة انتخاب جعجع، المُدان بحكم قضائي والمُبرّأ بقرار سياسي، وإذا اعترفنا بأن وليد جنبلاط ليس نسخة من أبيه، ولن يكون قادرا على ذلك، فإن اقصى طموحه أن لا يُخل الاستحقاق الرئاسي بالمصالحة بين المسيحيين والدروز في الجبل، ذلك يعني أنه يترك الأمر لأصحابه، حتى لو تم ذلك خارج قناعاته، وبضغط دمشق التي يناصبها العداء، والتي تبدو مقبلة على انتخابات تكرس الأسد رئيساً لفترة ثالثة.
لبنان والاستحقاق الرئاسي
[post-views]
نشر في: 9 إبريل, 2014: 09:01 م