هل يبدو الأردن محتاجاً لتعديل قانون منع الإرهاب النافذ منذ العام 2006، على أساس حاجته لاستباق أي نشاط للجماعات التكفيرية والجهادية، التي كرست وجودها عند حدوده الجنوبية، أم هو تعديل يستهدف بلغته المطاطية السماح للسلطات بملاحقة وإدانة ناشطين مستقلين ومعارضين سلميين، على غرار ما قامت به دول عربية أخرى حين سنّت قوانين شبيهة بما تحاول الحكومة الأردنية تشريعه، في حين يجابه العديد من النواب هذا المشروع باعتبار أنه يخلو من تعريف واضح للإرهاب، يتم على ضوئه تكييف الجرم، وأن باستطاعة أي شخص استخدام لغته الفضفاضة ليجرّم الآخر، وفقاً للتعريف الذي يخدم مصلحته أو مصالح السلطة التنفيذية.
صحيح أن المخاوف تشتد في الساحة الأردنية، بسبب الفوضى العارمة في الدولة المجاورة، التي تصدر اللاجئين وبعض الإرهابيين، وكذلك ما تشهده دول الربيع العربي من فوضى وعنف، وصحيح أن كل مواطن يعتبر أن ضمان الأمن والاستقرار أهم من تلبية مطالب الإصلاح، لكن المخاوف تظل مشروعة حول مجريات التطبيق، وليس غريباً تمرير التعديل الذي تريده الحكومة مُستعجلاً، بأدنى التكاليف السياسية داخلياً وخارجياً، وليس منتظراً أن يستهدف التعديل جماعة الإخوان المسلمين، لكن المؤكد أن التعديل سيحد من نشاطهم، وسيقيد على وجه الخصوص نشاطات الجماعات السلفية، التي اعتادت تزويد ساحة المعركة في سوريا بمجاهديها الانتحاريين.
من حق الدولة الأردنية تحصين نفسها وأراضيها ومواطنيها، ضد خطر انفلات الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وهي تراقب إماراتها الظلامية تتوالد كالفطر قريباً من حدودها، وفيها متشددون أردنيون يُعظّمون تجربتهم قبل العودة إلى مواقع ولادتهم، ولا نقول وطنهم إذ لا وطن لهم غير ساحات المعارك أينما استعرت حرب تكفيرية، لكن من حق المواطن الأردني الخوف من أن يقود القانون إلى عادة قوى الشد العكسي في كم الأفواه، وصولاً إلى التضييق على أي ناشط سياسي معارض لأي موقف حكومي، من خلال تفسير مُتحامل يحوّل ذلك الموقف إلى عمل إرهابي، اعتماداً على النيات، لأن القوانين النافذة تحمل في طياتها نصوصاً قادرة وواضحة للتعامل مع "الإرهاب".
الحكومة، وكما هو متوقع تنفي أي مخاوف لمعارضي التعديل، وخصوصاً ما يتعلق منه بحرية الإعلام وحراك المعارضة السلمية، فالمواقع الإلكترونية ستكون عرضة لاتهامها بالتحريض على الإرهاب والقتل، والترويج لحركات محظورة كتنظيم القاعدة الإرهابي في حال نشرها تصريحات أو بيان لواحد من قادة هذا التنظيم، ولعل هذا ما دفع رئيس اللجنة القانونية النيابية للتأكيد على نية لجنته بتنقية مشروع القانون من كل جوانبه السالبة للحريات.
السؤال المطروح اليوم هل الأردن بحاجة لقوانين "حمالة أوجه"، صحيح أنه يواجه تحدي بؤر متشددة تتناسل نتيجة الفقر والبطالة والجهل وثقافة الانغلاق والكراهية وإقصاء الآخر، لكن الصحيح أيضاً أن الحكومات المتعاقبة عملت بكل جهدها وبسوء نية على كبت الحريات وتغييب العدالة في توزيع مكاسب التنمية، ما أدى في النتيجة إلى تراجع هيبة الدولة، وهي اليوم مدعوة بالقانون المعدل أو بدونه لوضع معادلة الأمن والحرية في الميزان، لتداخل هذه العناصر والمفاهيم، من دون الانتقاص من الحقوق والحريات الأساسية، أمّا إعادة تعريف العمل الإرهابي بطريقة مطاطية، مع تجاهل القواعد الدستورية والمعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير، فإنه تصرف يستحق التشكيك بدوافعه، ويمكن تفسيره بأن الحكومة تظن أن الوقت والظرف بات مناسباً للتراجع عن أي خطوة إصلاحية أجبرها عليها الحراك الشعبي، دون حساب أن خطوة كهذه قد تأخذ ذلك الحراك إلى دروب كنا سعداء بأنه لم يسلكها، ونعرف النتائج الكارثية لو اضطر لسلوكها.
الأردن بين الإصلاح ومحاربة الإرهاب؟
[post-views]
نشر في: 12 إبريل, 2014: 09:01 م