قرأت قبل ايام عن رجل مصري قام بتفجير منزل حماته بهدف قتلها وبدافع الانتقام منها لتدخلها المستمر في حياته.. الخبر الغريب يدل على بلوغ الرجل اعلى مستويات الجزع واليأس من اصلاح الحماة او ابعادها عن حياته لذا تساوت لديه الامور وهانت عليه التضحية بمستقبله لاطفاء نار الحقد والانتقام عنده..
في مكان آخر وفي منطقة عرب جبور بالتحديد انهى قناص ارهابي حياة جندي عراقي في ريعان شبابه برصاصة في صدره فما كان من رفاق الجندي الشاب الا ان لاحقوا القناص الكامن في ارض زراعية واردوه قتيلا، لكن قتله لم يشف غليلهم كما يبدو فقاموا بربطه الى عمود كهرباء واطلاق الرصاص على جثته رغم ادراكهم بان التمثيل في الجثث محرم دينيا واخلاقيا.. كان هذا فعل ثأر وليس انتقاما كما يقول صاموئيل جونسون الذي يصف الانتقام بأنه فعل عاطفي اما الثأر فهو فعل عدالة..
قد نتفق جميعا على ان المجرم الذي يقتل إنسانا بكامل وعيه وبنية مبيتة يستحق الثأر منه بمختلف الطرق وربما ابشعها فكيف بالارهابي الذي يختطف زهور الشباب دون ان يرف له جفن.. لكن الثأر وان كان عدالة الا انه لا يعدو كونه وحشا يحتاج الى ترويض ليعود صاحبه الى فصيلة البشر فمن يستخدم لغة الثأر يبتعد اميالا عن لغة العقل والمنطق والقانون وتتحول بسببه حياتنا ودون وعي منا الى ارض خصبة ينمو فيها الثأر بسرعة وتمتد جذوره لتجردنا من تلك المدنية التي ساعدتنا زمنا على تدجين التخلف في اعماقنا..
في احدى قصائده الشهيرة، وصف الشاعر الروسي مايكوفسكي لحظات تحوله الى كلب بان نبت له ناب وفقد القدرة على الحديث مع الناس ثم ظهر له ذيل وصار يعوي ويطلق ساقيه للريح بعيدا عن البشر وكل ذلك بسبب حقد كان يعضه دونما رحمة او انقطاع.. هل نستغرب اذن ان يتحول بعضنا الى ذئاب بسبب الحقد والالم الممض والرغبة في الثأر من قتلة الاحبة والاولاد والاحلام والمستقبل..
في جولاته الانتخابية، يصرخ القائد العام للقوات المسلحة منددا بوجود الارهاب في بلده المسالم الوديع ومهددا بالقضاء عليه ليس بطريقة الانتقام العاطفي كما فعل الرجل المصري بحماته بل بالثأر لكل دم عراقي وهذا يعني انتهاج ابشع السبل لتنفيذ ذلك حتى لو احتاج الامر الى اتباع المثل القائل (علي وعلى اعدائي)، فماذا لو اختلط الدم العراقي البريء بدم الارهابيين لتحقيق هدف سام ؟...وهل هناك هدف اسمى من تخليص العراق من الارهاب..؟
بعض العراقيين هللوا لزعيق المرشح الاقوى وعلقوا (خوش خطبة) فقد ظهر اخيرا (المنقذ) الذي (سيعدل المايل) كما تحمسوا لتبني لغة الثأر فجميعهم من فاقدي الاحبة وليس مهما ان نمارس جميعا لعبة القتل وننفض عنا رتوش المدنية والحب والسلام لنعود الى الغابة وتنبت لنا انياب ذئبية مادام هناك من سيقودنا الى النصر المؤزر والثأر الاكيد..
سبق وان قال جون كينيدي ان على البشرية ان تضع حدا للحروب او ان الحروب سوف تضع حدا للبشرية.. وحربنا التي نعيشها لن يضع لها قادتها حدا ما داموا يتحدثون بلغة الثأر، لذا لن نستغرب ان تنهينا الحرب بأن تقتل فينا الانسانية وتحولنا الى مشاريع ذئاب.
من سيعدل (المايل)؟
[post-views]
نشر في: 14 إبريل, 2014: 09:01 م