بين ركام الساعات الاكثر حلكة في تاريخ المنطقة والعراق، وأشد المصائر التي تحيط بنا غموضاً، هنالك شيء واحد يبدو اكثر وضوحاً هذه الساعة. ووضوحه ليس رجماً بغيب، بل هو معطى مباشر للوقائع التي اختبرناها، والدروس التي دفعنا دماءنا ثمناً لها. فللمرة الاولى نذهب الى اقتراع تشريعي سينتج برلمان ٢٠١٤ وحكومتها، ونحن واثقون بالحد الادنى من النتائج، تصويتاً وتأليف حكومة. وجزء من هذا الوثوق هو الذي سمح للنجف بأن تتحدث بلجة أقوى، وهيأ الشروط المطلوبة للقاء الصدر بالمرجع الاعلى السيستاني، كما هيأ قبل ذلك، تقارباً منسجم المضمون، بين الصدر والحكيم، ومع ممثلي القوائم العلمانية، وباقي المكونات.
فقبل سنة اتيح لنا قراءة اتجاهات الناخبين بشكل معقول، وما حصل طوال عام كرس تلك الاتجاهات ولم يغيرها، سوى الى المزيد من الرفض لمنطق القوة المجردة عن التدبير السياسي، والتي وضعت البلاد في مأزق غير مسبوق، وبددت فرصاً عديدة لامتصاص الصدمات والهزات.
لقد استبق فريق السلطان انتخابات العام الماضي، بأقصى درجات التعبئة الطائفية والقومية، لكن الناخبين واعني بهم هنا بشكل شريحة المصوتين الشيعة، قالوا بوضوح انهم ملوا من لغة الاحتراب، وأدركوا بالغريزة والتجارب المحبطة منذ ١٩٨٠، ان نار المعارك لن تؤدي الى مكسب، طالما كان رأس المحاربين خالياً من لغة الحكمة، رافضاً للتشاور والاخذ بالنصائح. وعلى هذا الاساس ارتفعت في الاقتراع السابق حظوظ الفريق الذي يحلو لي ان اسميه "شيعة ضد الحرب". وما جرى من تخبط حكومي في الانبار او مع الاكراد، كان يحاول ان يزيد جرعة الشحن الطائفي، ليغير المعادلة التي تقلقه، لكن الامور تسير بنحو معاكس، وتجعل المالكي وفريقه يعيشون درجة اكبر من غموض مستقبلهم السياسي، جاء وسط عجزهم الذي ورطنا جميعاً، في اسوأ المقادير، وهو ما بدا واضحاً للنواب الذين حضروا لقاء المالكي الاخير تحت خيمة "التحالف الوطني" الذي لم يبق منه سوى الاسم، تحت تأثير رهانات المالكي التي بالغت وتطرفت وتفردت.
وطبقاً للنموذج الذي قدمته انتخابات مجالس المحافظات، فإن المالكي وحلفاءه (وخاصة وزير النقل وبدر، ووزير الفضيلة، وصاحب صفقة كاشف المتفجرات سيئة الصيت) لن يحصلوا في افضل الاحوال ومهما بذلوا من جهد واستغلوا من نفوذ الدولة، مالاً وجيشاً وقضاءً، الا على اقل من نصف اصوات جمهور الشيعة، بينما سيمضي الفريق الاخر بثقة اكبر نحو اقناع الجمهور بأن الحل يكمن في تغليب قوة العقل، وقوة الحلول، ومهارات ادارة الخلاف.
وسيستند الفريق المعارض للمالكي في الوسط الشيعي، الى نجاحه اللافت طوال سنتين، في العمل مع باقي الفريق السياسي كردياً وسنياً، على تقديم بدائل اثبتت ان التفاهم ممكن، وأن ادارة الخلاف متيسرة، وأن هزيمة داعش وباقي المتطرفين، تتم بتحصين جبهتنا الداخلية وإنهاء القطيعة مع مراكز القوى غرباً وشمالاً. وهذا الفريق الداعي للاصلاح، لم يقتصر نجاحه وحسب، على جمهور الناخبين بنحو غيّر الاوزان والحجوم وحقق المفاجآت، بل صارت لدينا جبهة سياسية تتعزز كل يوم، هي قادرة على التفاوض وتصميم الشروط، مع كل خارج يفرض تأثيره. وصارت فريقاً لن ينجح الخارج في التعامل معه، الا اذا اعترف بحاجة البلاد الى تغيير انقاذي، سيكون في صالح الجوار من طهران الى الرياض، ويعيد تعريف علاقات اكثر استقرارا، بالمجتمع الدولي ورؤوس امواله وحاجات اسواقه.
وكل هذه المعطيات هي التي رفعت درجة العجز والقلق ايضا، لدى فريق السلطان، وهو يقرأ الرسائل ويخشى من استيعابها، ويسمع ويرى حركة الزمن السياسي، ويتحاشى التكيف معها وقياسها، حتى صار يدرك وان انكر، ان الامعان في "القمار" لن يضخم سوى مأزق حزب الدعوة الذي اختزله السلطان بأصهار وشركاء بزنس مشبوه.
لكن الوضوح هذا، يضاعف مسؤولية الداعين لخطة الاصلاح والانقاذ، ولن يكون سبباً في تناسي غضب الشعب واحباطه، ما يتطلب مناسبة اخرى لفصل مكاشفة من نوع مختلف.
أوضح انتخابات عراقية
[post-views]
نشر في: 14 إبريل, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
أبو سعد
بأن الحل يكمن في تغليب قوة العقل، وقوة الحلول، ومهارات ادارة الخلاف.....سيدي الفاضل أصبت الهدف.
ياسين عبد الحافظ
فى ردى على عمودك من ستنخبون وخيال صدام اجد من الضرورى ان نضع مقترحى حيث بات الامر اكثر وضوح وبساطة ويوفر الجهد ويضمن الناتج وهو:1-اذا كنت شيعي انتخب القائمة الشيعية القريبة من السنة والكرد 2-اذا كنتسنى..الخ,انى ارى الان لمجرد اتمام الانتخابات وانتهاء السا
نصير عزيز
عذرا ..سوف ابدي رائيا من تجربتي الشخصية في مجال التحليل النفسي الاجتماعي عن الواقع الذي نعيشه في العراق .هل صدقتم ان هناك انتخابات ؟!نعم هنالك ملصقات وصناديق و وجوه وشخصيات ..هذه لاتسمى انتخابات بل هذا مهرجان دعائي للتسويق وايهام الناس ..بان الموجدين في
أحمد الهلالي
منطق العقل دائما يعلو فوق صوت التطرف وعدم أخذ المشورة