ظواهر كثيرة تميز الانتخابات التشريعية القادمة عن سابقاتها ولعل أبرزها هو إحساس الناخب العراقي بأن التيارات الدينية التي اعتقد أنها الأصلح له خلال عقد من الزمن لم تعد تمثل مرحلته الحالية، وهذا ما ينعكس من خلال الصور واليافطات والشعارات التي أصبحت مختلفة تماماً عما كان يرفع ويطبل له، بل وما يتبجح به الكثير من المرشحين. وها نحن نجد أن شعاراً مثل ( من أجل الحفاظ على الطائفة والمذهب انتخب القائمة الفلانية ) بات من خيال الذكرى.
وللذي يتصفح الصور المرفوعة في شوارع وتقاطعات المدينة التي يقيم فيها سواء أكانت في الوسط أو الجنوب يجد أن صور المعممين الدينيين هي الأكثر ندرة، لا بل لا تكاد عينه تقع على واحدة منها، وإن وجدوا فقد غيروا من زيهم، وكنت قد توقفت طويلاً أمام صورة أحد المرشحين، الذي ينتمي لسلالة الرسول من خلال اللقب المرفق باسمه حيث ظهر بثياب خليجية ثمينة وغترة بيضاء، حليبية، حليق الوجه، ناعمة حتى لتكاد تشم رائحة عطر أناقته . في منظر ما كنا لنشهده لو عدنا بالزمن إلى ما قبل عشرة أعوامٍ من الآن .
ومن وجهة نظر فاحصة نجد أن تحولاً كهذا يعد ظاهرة طبيعية في مجتمع لم يختبر تجربة الديمقراطية بما فيه الكفاية، لكن التحول هذا سيكون أسرع لو كنا في مجتمع غير منقسم طائفياً، ذلك لأن الناخب لم يكن بحاجة لمرشح يعزف له على وتر بغيض مثل الطائفية، ولكنا أقرب لعجلة التنمية الاقتصادية منا اليوم ، ولشهدنا تحولات عابرةً لكل ما أنفقنا من دماء ومال. بل لو كنا نملك أحزاباً تعي مصلحة البلاد قبل وعيها لمصلحة الدين والطائفة والمذهب لكنا عبرنا الضفة بسلام، ولكان ناخبنا قد تجاوز قضية لم تورثه سوى الويلات.
في قراءة سريعة لوجوه مرشحي القوائم الكبيرة ( دولة القانون، المواطن، الأحرار ...) نجد أنها تستعين وبقوة بشخصيات مستقلة من خارج تنظيماتها، ولا تجد حرجاً في تأكيد المرشح على كتابة عبارة (مرشح مستقل) التي تدل وفي نفي ضمني على أن المرشح هذا غير منتم للكتلة هذه، وحين تحاور البعض منهم تجد أنه يستخدم الكتلة التي دخلها جسراً لتحقيق غاياته ومشروعه ، مثلما تجد أن الكتلة تلك لا تجد حرجاً بالاستعانة به لأنها لا تملك في دفاترها من الوجوه المقبولة من يحقق لها بعض ما تطمع به من نتائج، فهي تصعد بمن دخلها وهو يصعد بمن حملته، في متوالية غريبة، لا تفصح إلا عن خيبة كبيرة. فالمرشح الذي يؤكد استقلاليته عن القائمة التي تحمل اسمه لا يمكنه تبني مشروعها لأنه لو تبنى المشروع لما كان بحاجة لتأكيد الاستقلال عن برنامج ومشروع الكتلة.
أما ذهاب بعض القوائم إلى تجميل صورة مشاريعها عبر الوجوه النسائية الجميلة فهذا أجمل التحولات التي نتحدث عنها، وحين يجد بعض المنافسين فيه عيباً لا نجد فيه ذلك، فالمرحلة مرحلة تحولات كبيرة، والناخب العراقي تغيرت قناعاته، بل لنقل تغيرت صورة المقدس في ضميره ، ولم تعد العمامة مصدر سعادته وطموحه في الحياة التي يبحث عنها، لا بل لم يعد إغراء غامضا مثل الطائفة او المذهب في خطر يشكل هاجساً عنده، بعد أن رأى جسده طائراً في الهواء ودمه بركة حمراء على الاسفلت، بعد ان تراجعت مدنيته وفقد مستقبله في الحياة الحرة الكريمة.
يقول تقرير لأحدى القنوات التلفزيونية إن التيار المدني هو الأكثر تعاطياً وتفاعلا بين مستخدمي وسائل الاتصالات الحديثة، وانه المعول عليه في عملية التغيير، وإن انصار التيارات الدينية تراجعت شعبيتهم بين مستخدمي الفيسبوك تحديداً. قد تكون تقارير كهذه مادة إعلامية لكن الوقائع تشير إلى أن الاحزاب الدينية ومن أية طائفة كانت لم تعد تمثل حاجة سياسية عراقية اليوم، فهي مهما حاولت طمس صورتها في تمثيل الطائفية هذه او تلك لن تتمكن.
بما أنه لا يمكننا تصور دولة القانون بغير حزب الدعوة وكتلة المواطن بغير المجلس الأعلى ومتحدون بغير الحزب الإسلامي ووو، لذا لا يصح أي حديث سياسي لها إلا بنفس يؤكد تمثيل الطائفة هذه او تلك، وبذلك سنعزز من بناء دولة الطوائف التي لا خلاص منها إلا بالدولة المدنية المبنية على أساس المواطنة.
منعطف انتخابي وتحولات
[post-views]
نشر في: 15 إبريل, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...