TOP

جريدة المدى > عام > ربشتين المكسيكي والولع بالرواية مرئياً

ربشتين المكسيكي والولع بالرواية مرئياً

نشر في: 16 إبريل, 2014: 09:01 م

كانت أواخر عام (2011) في مهرجان أبو ظبي السينمائي فرصة لمشاهدة فيلم مكسيكي مهم ومؤثر اسمه (نوازع القلب) مصور بالأسود والأبيض في أجواء خانقة لمخرج عجوز يدعى ( أورتو ربشتيين) ،فرصة التعرف بربشتيين كانت من خلال المؤتمر الخاص به في المهرجان الذي فاجأ متل

كانت أواخر عام (2011) في مهرجان أبو ظبي السينمائي فرصة لمشاهدة فيلم مكسيكي مهم ومؤثر اسمه (نوازع القلب) مصور بالأسود والأبيض في أجواء خانقة لمخرج عجوز يدعى ( أورتو ربشتيين) ،فرصة التعرف بربشتيين كانت من خلال المؤتمر الخاص به في المهرجان الذي فاجأ متلقيه بأنه مخرج الفيلم المكسيكي ( بداية ونهاية) المأخوذ عن رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ قبل ( 20) عاماً ومحققاً به شهرة عريضة في مهرجانات دولية عديدة  ابتداء من برلين وكان، إلى لندن وتورنتو وقرطاج وغيرها ، وحاصلاً به على جوائز تراوحت بين البطولة الرجالية والنسائية والإخراج والموسيقى ، إضافة إلى جائزة نقاد السينما ( فبريسي) عام 1994 ، بعدها بدأت رحلة عامين متواصلين بحثاً عن كل ما يتعلق بهذا المخرج المفتون بالأدب الروائي.
رحلة ربشتيين الروائية العربية لم تتوقف مع بداية نجيب محفوظ ونهايته بل تعدته إلى إنتاج فيلم آخر مأخوذ عن رواية ( زقاق المدق) من إخراج ( خورخي فونس) والذي حقق به سابقة لم تحصل في تاريخ السينما المكسيكية حيث حصل على جوائز لم يحصل عليها أي فيلم آخر وصلت إلى ما يقارب (50) جائزة بين عامي 1994- 1995 ، الفيلمان المعدان عن روايتي محفوظ نقلا وقائع أحداثها من ثلاثينيات القرن المنصرم في القاهرة إلى تسعينيات القرن في المكسيك.
في المؤتمر الذي عقد في أروقة المهرجان والخاص بفيلمه ( نوازع القلب) أكد ربشتيين في رده عن سبب اختياره روايات محفوظ يعود لسببين رئيسيين : أولهما هو ذلك الترابط والشبه الكبير بين القاهرة والمكسيك ، وقد لمس هذا الشبه حين زار القاهرة مع زوجته وكاتبة سيناريو أفلامه بيت الكاتب نجيب محفوظ للتعاقد معه حول تحويل رواياته لأفلام مكسيكية ، وكذلك الهَم الإنساني الكوني للبشر الرازحين تحت هيمنة سلطة المدن وفوضاها ، وثانيهما هو ولعه الخاص بفن الرواية وسعيه لتحويل هذه المنظومة الكتابية التي يعشقها إلى روايات سمعية مرئية .
بدأت رحلة ربشتيين السينمائية / الروائية عام 1965 وكان وقتها في الـ21) من العمر بعمل أعتمد فيه على سيناريو كتبه له اثنان من أبرع كتّاب الرواية في أمريكا اللاتينية ( غابرييل ماركيز و كارلوس فونتيس) حمل عنوان ( زمن الموت) ، عن رجل يخرج من السجن بعد عقوبة (18) عاماً قضاها لجريمة قتل أرتكبها ، رحلة السجين في استعادة حياته المفقودة والعيش بهدوء مع حبيبته السابقة تتنغص بعودة الماضي متجسداً بأبناء القتيل الساعين للأخذ بثأر الأب المغدور ودافعين بأمل الحياة إلى زمن الموت.   
العام التالي سيكون فيلمه الثاني ( ألاعيب خطرة) معد أيضاً عن نص كتبه له ( غابرييل ماركيز ) أيضاً ، فيلم عن المواجهة والشجاعة ، حينما يلتقي رجل الدعاية التلفزيوني الشهير في طريق عودته بالزوجين الشابين ( كلاوديا ولويس) اللذين توقفت سيارتهما لعطل أصابها ، وبينما ينتظر لويس رافعة السيارة يأخذ بطلنا الزوجة كلاوديا معه إلى بيت الزوجية ، وبمرور حوادث عرضية يضطر بطلنا للاستماع إلى حكاية كلاوديا المجبرة  على زواج لويس لإنقاذ ثروة أبيها ، وداخلة بعلاقة جنسية مع بطلنا ليظهر علينا لويس كاشفاً عن أن ما حدث بين زوجته وبطلنا قد تم تصويره وفقاً لخطة مع زوجته ولابتزاز بطلنا أمام زوجته وأولاده اللذين وصلا للعنوان المتفق عليه ، هنا لا يملك الإنسان سوى المواجهة وكشف كل الحقائق ليلوذ الزوجان الشابان هربا بفعلتهما بحثا عن رجل أسهل ابتزازه .
تستمر رحلة ربشتيين مع الرواية فيقدم عام 1968 فيلم (ذكريات الغد) عن رواية إلينا جارو ، مقدماً فيها قصة الثورة المكسيكية في عشرينات القرن الماضي، وفيلم ( الأرملة السوداء) عن نص مسرحي ( لابد من وجود أساقفة) للمكسيكي ( رافائيل سولانا) عن علاقة شائكة بين أسقف وربة بيت ، ثم يستمد من الروائي التشيلي ( خوسيه دونوسو) فيلمه التالي عن روايته ( مكان بلا حدود) حاصلاً به على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان سان سبستيان ، واحتل الفيلم المركز التاسع في قائمة أفضل (100) فيلم في تاريخ السينما المكسيكية ، في سنوات الثمانينات  ، تبدأ رحلة "ريبشتيين" مع كاتبة السيناريو (باث أليثيا غارسيا دييجو) التي ستصبح زوجته في ما بعد ، بفيلم (إمبراطورية الحظ) ، ومنطلقة بتقديم رؤية جديدة لرواية (خوان رولفو) الديك الذهبي ، هذه الرواية سبق وان قدمت للسينما من قبل المخرج (روبيرتو جابلادين) عام 1964 ،اعتماداً على سيناريو كتبه  (غابرييل ماركيز وكارلوس فوينتس) .
في عام 1991 يقدم ربشتيين فيلما مبنيا على قصة لـ(جي موباسان) الميناء عن سيناريو كتبته زوجته أيضاً مازجاً قصة موباسان مع مسرحية ألبير كامو الشهيرة ( سوء تفاهم) مع بعض التحوير ،فالابن هنا بحار يهبط في ميناء ليتعرف على امرأة تدير نزلاً مع ابنتها العاهر ، فيقيم علاقة مع الابنة لنكتشف في ما بعد أنها أخته ، معتمداً في سرد الفيلم على رؤى مختلفة لشخصيات البحار والأخت وصاحبة النزل ، عام 1993 يقدم بداية ونهاية ، ومشرفاً على إنتاج والده لفيلم ( زقاق المدق) ، ليعود مرة أخرى نهاية التسعينات إلى عوالم رفيقه الأثير غابرييل ماركيز ويقتبس منه روايته ( ليس لدى الكولونيل من يكاتبه) عن ذلك الجنرال الذي ينتظر خطاب استحقاقه المعاشي (27) عاماً ، بعده بعام ومع الألفية الجديدة مرة أخرى يذهب ربشتيين نحو النصوص المسرحية ليقدم بصورة عصرية روح ( ميديا) الممزقة ( هكذا هي الحياة) بسيناريو مرة أخرى من يد زوجته عن نص ( سنيكا) ، حيث نرى الزوجة (جوليا) المخلصة لزوجها وولديها ، ومشاركة له في أعباء الحياة بالعمل كممرضة ببيتها ، وذات يوم  يقع زوجها (نيكولاس) في هوى فتاة أخرى أصغر منها سناً ، ابنة صاحب الدار ، فينهار العالم الذى صنعته جوليا ، بعد أن هجرها الزوج ، وطردت من البيت ، وفقدانها لحضانة ولديها ، فتقوم بالانتقام من زوجها في ولديهما كما هو معروف من سياق النص المسرحي القديم .
(عذراء الرغبة) رواية الكاتب الإسباني المولد ، الألماني الأصل ، المكسيكي الإقامة والكتابة (ماكس أوب) تتحول إلى فيلم  تكتب (غارسيا دييجو) زوجته السيناريو له ، ليقدم فيلماً مثيراً ، ومميزاً ، عن أحداث في أربعينيات القرن الماضي بمدينة مكسيكية صغيرة، حول مجموعة من الإسبان الهاربين من حكم ديكتاتورية الجنرال (فرانكو) ، بينهم الشاب الخجول (إجاناثيو خورادو) والذى يعمل نادلاً بأحد المقاهي ، لا يفعل شيئا في حياته غير العمل والاستغراق بخياله مع مجموعة من الصور البورنوغرافية ، حتى يلتقي بالغانية (لولا)  التي تقابل خجله بالمواجهة ، ويصبح بالتدريج أسيراً لحبها ، بينما تتعلق هي بمصارع يحتقرها ، فلا يملك (إجناثيو) غير خياله ومجموعة اللاجئين عالماً يفر إليه .  (جارثيادييجو) تعد له مرة أخرى عام 2006 سيناريو عن رواية الدومنيكاني (بدرو أنطونيو بالديث) روايته ( كرنفال سادوم ) فيلم عن الفساد والجنس والأخلاق وازدواجيتها داخل ثقافة مهجنة تذكرنا كثيرا بأفلام الإيطالي ماركو فيريري . أما ( نوازع القلب) فهو إعادة قراءة لرواية فلوبيير الشهيرة ( مدام بوفاري) حاول من خلالها تقديم صورة مغايرة للرواية عن كل ما شاهدناه من أفلام معدة عنها ، حيث (إميليا)  المحبطة من حياتها المتواضعة ، بسبب فشل زوجها في العمل ، وعدم إنجابها ، ومحاصرة داخل بيت أشبه بزنزانة  ، تبحث عن أيامها الضائعة أمام مرآة لتكتشف زوال العمر ، فلا تملك إلا أن تدخل في مغامرة عاطفية  ، دون أن تحقق أي سعادة ، فتقرر الانتحار في النهاية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

62 حالة انتحار في ديالى خلال 2024 بسبب "الربا"

أزمة جفاف الأهوار.. الأمم المتحدة تؤكد دعمها و«الموارد» تتحدث عن برامج لاستدامة تدفق المياه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram