"كيف أتعلم التوقف عن القلق و أحب القنابل؟" هذا لم يكن تساؤل جندي فقد عقله بعد معارك طاحنة, بل هو عنوان فرعي لفيلم "د.سترانجلوف" كتبه وأخرجه وأنتجه ستانلي كوبريك صاحب الكثير من الروائع السينمائية التي يجب التوقف عندها اذا ما تحدثنا عن أفضل ما أنتجت ال
"كيف أتعلم التوقف عن القلق و أحب القنابل؟" هذا لم يكن تساؤل جندي فقد عقله بعد معارك طاحنة, بل هو عنوان فرعي لفيلم "د.سترانجلوف" كتبه وأخرجه وأنتجه ستانلي كوبريك صاحب الكثير من الروائع السينمائية التي يجب التوقف عندها اذا ما تحدثنا عن أفضل ما أنتجت السينما العالمية. وهو فيلم يحمل سمة الكوميديا السوداء الشائعة في أعمال كوبريك ،مبنياً على رواية بيتر جورج "الإنذار الأحمر" .ومن الجدير بالذكر ان الرواية لا تحمل الطابع الكوميدي كما هو حال الفيلم, يتحدث كوبريك عن كتابته للسيناريو فيقول : " في أول أسابيع كتابتي للسيناريو جاءت لي هذه الفكرة, ان الأحداث بمجملها (كابوس كوميدي) ،لذا حاولت وضع اللحم على العظم وتصور المشهد بأفضل بدقة, وهذا ما دفعني للخروج من صيغة الغرابة والتناقض للحفاظ على الطابع الكوميدي, لذلك هذه الأشياء تبدو لي قريبة من قلب المشهد في تساؤلات الفيلم". ثلاثة محاور هي التي سأتكلم عنها, وربما لا تحيط بكل ما طرح بالفيلم لما يحويه من عمق فكري وفلسفي.
تبدأ سخرية كوبريك من أول مشهد لطائرة الـ B_52 , إذ يظهر الطيار يتصفح مجلة إباحية بينما يحل احد أفراد الطاقم كلمات متقاطعة في احدى الصحف ويتسلى بأوراق اللعب آخر، في الوقت الذي تحمل بها الطائرة سلاحا نوويا فتاكا على بعد ساعتين طيران من الحدود الروسية, كما تستمر السخرية بحوارات فكاهية داخل غرفة الحرب بين الرئيس الأمريكي وجنرال في الجيش والسفير الروسي, حتى تأتي السخرية في ذروتها في آخر مشهد في الفيلم عندما تنفجر القنابل النووية في كل أنحاء العالم بمشهد يرافقه أغنية "سنلتقي مجددا" للمطربة الإنجليزية فييرا لين ،وهذا ما أثار حنق بعض النقاد لاعتبارهم ان المشهد استهانة بالروح البشرية.
يلعب الممثل الإنجليزي بيتر سيلر ثلاثة أدوار متناقضة في الفيلم بطريقة مذهلة حتى ان المشاهد لا يستطيع ان يكتشف ذلك من المشاهدة, الأدوار الثلاثة متناقضة تماما وكل واحد يحمل شخصية خاصة ومميزة, الأول لقائد السرب جنرال ماندريك الذي يغلب على شخصيته الجبن والسذاجة, الثاني للرئيس الأمريكي مِركين مُفلي الذي يظهر بوجه حازم يبدو عليه الحكمة والذكاء والتعقل باتخاذ قراراته, الثالث وهو الأهم والأكثر جدلا شخصية العالم سترانجلوف له نظرة خبيثة تحمل الكثير من الشر ومختل عقليا إلى حد ما إضافة إلى كونه معاقا يجلس على كرسي مدولب.
تُذكر كلمة حب في الفيلم في اكثر من موقف تجمعهما صفة واحدة وهي عدم صلة الموقف بالحب! فمرة أولى بالعنوان الذي يتساءل عن حب القنابل وأخرى بجنرال احرق الأرض بسبب ضعف قدرته الجنسية على ممارسة "الحب" وأخرى هي الترجمة الحرفية لاسم العالم المختل وهو "سترانجلوف" أي الحب الغريب, الاسم الحقيقي للعالم ميركورديشليب وهو ألماني نازي امتلك الجنسية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح رئيس هيئة تطوير الأسلحة, يعبر سترانجلوف عن فكرة كوبريك الساخرة حول سباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فيبدأ بالقول بعد ان تأكد من مصير الحرب النووية : لم اكن لأهدر فرصة لإبقاء نواة النماذج الحية, سيكون أمرا سهلا, في بعض جذورنا العميقة, النشاط الإشعاعي لن يخترق منجما على عمق آلاف الأقدام, وفي غضون أسابيع ستكون التحسينات جاهزة لمساكن الفضاء, وذلك خلال مئة عام قادمة حتى زوال تأثير الإشعاع _يخاطب الرئيس بلفظة "فيورهر" وهو المصطلح الذي ينادى به هتلر_ المفاعلات النووية قادرة على إمداد الطاقة ضمن أمد غير محدد, ستكون نتيجة التربية الحيوية ولادة عشر إناث مقابل كل ذكر وهذا سيعمل على إنجاب الكثير عن طريق المزاوجة غير الأحادية .... إلى نهاية كلامه الذي يبين استعداد كلا البلدين لدمار الأرض وشغفهم الشديد لحدوث هذا.