في الثالث من نيسان، نقل الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز – الحائز على جائزة نوبل للآداب - إلى أحد مستشفيات مكسيكو سيتي لإصابته بالتهاب رئوي ، و هناك توفي عن عمر ناهز 87 عاما . حقق ماركيز طفرة عالمية في أدب اللغة الإسبانية و الواق
في الثالث من نيسان، نقل الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز – الحائز على جائزة نوبل للآداب - إلى أحد مستشفيات مكسيكو سيتي لإصابته بالتهاب رئوي ، و هناك توفي عن عمر ناهز 87 عاما .
حقق ماركيز طفرة عالمية في أدب اللغة الإسبانية و الواقعية الساحرة من خلال روايته " مئة عام من العزلة " . بعد النجاح التجاري الذي حققته كتاباته و إشادات النقاد ، أصبح ماركيز حامل لواء الكتابة في أميركا اللاتينية. أسس ماركيز مسارا للمفاوضات بين المسلحين و الحكومة الكولومبية ، و بنى صداقة مع فيدل كاسترو ، بينما استمر العداء بينه و بين زميله الحائز أيضا على جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس لوسا لمدة 30 عاما . قال الرئيس الأميركي باراك أوباما " لقد خسر العالم واحدا من أعظم أدبائه الحالمين " ، مضيفا بانه يعتز بنسخته من رواية " مئة عام من العزلة " التي أهداها إليه المؤلف في احدى زياراته إلى كولومبيا، و " أقدم العزاء لأسرته و أصدقائه و آمل ان تعيش أعماله لأجيال قادمة" . من جانبه ذكر الرئيس الكولومبي جوان مانويل سانتوس على تويتر أمس " ألف عام من العزلة و الحزن لموت أعظم كولومبي على طول الزمان. أقدم التعازي و التضامن لزوجته و أسرته ... عمالقة مثل ماركيز لا يموتون أبداً ". كما عبّر الرئيس المكسيكي أنريك بينا نيتو عن حزنه لموت " واحد من اعظم أدباء زماننا" نيابة عن المكسيك البلد الذي تبناه الأديب . و ذكرت صحيفة ريفورما المكسيكية عن كاتب روايات الأطفال لويس سوبلفيدا قوله، إن ماركيز كان " أهم أدباء اللغة الإسبانية في القرن العشرين. انه يقبع وسط الطفرة الأدبية اللاتينية التي أثارت الخيال وأسلوب السرد و عالم الأدب ". كما كتبت المغنية شاكيرا قائلة " سنتذكر حياتك ، عزيزي غابو ،على أنها هبة فريدة من نوعها لا يمكن أن تتكرر ".
ولد غارسيا ماركيز في بلدة صغيرة قرب الساحل الشمالي لكولومبيا يوم السادس من آذار عام 1927 ، و تولى جداه تربيته حتى التاسعة من عمره. بدأ العمل كصحفي و في نفس الوقت يدرس القانون في بوغوتا . كتب سلسلة من المقالات أثارت جدلا حول بحّار كولومبي ، كما شهد عام 1955 سفره إلى أوروبا كمراسل أجنبي، و هو العام الذي نشر أول أعماله القصصية ، الرواية القصيرة – عاصفة ورق الشجر . تبعت ذلك قصص قصيرة و روايات تحمل واقعية همنغواي ، لكن بعد نشر " الساعة الشريرة " عام 1962 وجد ماركيز نفسه في مأزق.
قال و هو يتحدث إلى مجلة باريس ريفيو عام 1981 ، مفسرا كيف انه قرر بأن كتاباته عن الطفولة كانت " سياسية أكثر مما هي أدب صحفي ". أراد ان يعود إلى طفولته و إلى قرية ماكوندو الخيالية التي اخترعها في " عاصفة ورق الشجر " ، لكن كان هناك دائما شيء مفقود . بعد خمس سنوات ضرب ماركيز على الوتر الصحيح ؛ أسلوب مبني على الطريقة التي اعتادت جدته عليها في سرد القصص ، " كانت تحكي أمورا تبدو خرافية و خيالية لكنها تحكيها بشكل طبيعي تماما . عندما اكتشفت أخيرا اللهجة التي عليّ استخدامها ، بدأت أعمل كل يوم لمدة 18 عاما ".
منذ الجملة الافتتاحية لرواية " مئة عام من العزلة " ، فان الرواية تنسج مصائب احدى العوائل على مدى سبعة قرون . يحكي ماركيز قصة مدينة مخربة من المرايا اكتشفت في أعماق الأحراش الكولومبية ، مع قصص أشباح و حكايات شعبية و أساطير خرافية .
كانت الرواية من اكثر الكتب مبيعا ، حيث بيعت الطبعة الأولى – 8 آلاف نسخة - خلال أسبوع واحد من نشرها عام 1967 . أشاد بها الشاعر التشيلي بابلو نيرودا قائلا " ربما تكون رواية (مئة عام من العزلة) اعظم إيحاء باللغة الإسبانية منذ دون كيشوت، و استمرت الرواية تحصد الجوائز الأدبية في إيطاليا و فرنسا وفنزويلا و غيرها ، و ظهرت في اكثر من 30 لغة و بيعت منها اكثر من 30 مليون نسخة في أنحاء العالم .
أقام ماركيز علاقات صداقة مع أدباء مثل كارلوس فيونتيس و جوليو كورتزار و فارغاس ليوسا – العلاقة الأخيرة انتهت في سنوات السبعينات عندما ألقى فارغاس ماركيز أرضا بضربة خارج إحدى دور السينما في المكسيك .
تبع ذلك في عام 1975 ، رواية " خريف البطريرك " التي اطلق عليها المؤلف " قصيدة عن عزلة السلطة". تحكي هذه القصة عن زعيم مستبد لإحدى دول الكاريبي لم يسمها، خريج احدى كليات الدكتاتورية مثل فرانكو و بيرون و بينيلا ، و استمر ماركيز في الاستلهام من تاريخ الصراع في أميركا اللاتينية بقصة مستلهمة من مقتل احد أثرياء كولومبيا – يوميات موت معلن – المنشورة في 1981 .
بعد عام حاز ماركيز جائزة نوبل للآداب ، أشادت الأكاديمية السويدية بالقصة " التي يرتبط فيها الخيال بالواقع في عالم غني بالخيال و يعكس حياة و صراعات القارة" . خلال حديثه في مراسيم تسلم الجائزة في ستوكهولم، رسم ماركيز صورة قارة مليئة " بالعنف و الألم ، تنتج إبداعا لا ينفد ، مليئا بالحزن و الجمال "، حيث قال " الشعراء و المتسولون ، الموسيقيون و الأنبياء ، المحاربون و الأوغاد ، كلهم مخلوقون من تلك الحقيقة الجامحة ، ان مشكلتنا الحاسمة هي افتقارنا إلى الوسائل المقنعة لجعل حياتنا قابلة للتصديق ".
الحياة التالية التي جعلها ماركيز قابلة للتصديق هي حياة والديه اللذين تحوّل حبهما إلى رواية " حب في زمن الكوليرا " التي نشرت لأول مرة عام 1985 . تحكي الرواية كيف ان علاقة سرية بين فلورنتينو آريزو و فيرمينا دازا يتم إحباطها من خلال زواج فيرمينا من طبيب يحاول القضاء على الكوليرا، لكن العلاقة تتأجج مرة أخرى بعد ستين عاما .
حكاية عام 1989 عن الأشهر الأخيرة لسيمون بوليفار " الجنرال في متاهته " مزجت الحقيقة بالخيال ، زعم ماركيز بان الرواية أبقته على اتصال مع العالم الحقيقي. أما رواية " متخفيا في تشيلي " المنشورة في 1986 ، فإنها تحكي قصة مخرج تشيلي ميغيل ليتين، الذي عاد إلى وطنه بالخفية لعمل فيلم وثائقي عن الحياة في ظل الجنرال اوغستو بينوشيت . أنباء الخطف تكشف كيف ان أشخاصا بارزين في المجتمع الكولومبي كانوا يتعرضون للخطف و السجن على يد كارتل المخدرات التابع لبابلو اسكوبار .
في عام 2004 استمر ماركيز بكتابة ونشر مذكرات عن حياته المبكرة ، و رواية تحكي عن شغف رجل عجوز بفتاة مراهقة ، إلا أنها لم تكن ترقى إلى مستوى كتاباته السابقة . في عام 2012 كشف شقيقه جايمي غارسيا ماركيز بأن الكاتب كان يعاني من العته بعد علاج كيمياوي لسرطان اللمف الذي تم تشخيصه لأول مرة في 1999 .
عندما سئل عام 1981 عن طموحاته كأديب ، أوحى بأن حصوله على جائزة نوبل سيكون كارثة، زاعما ان الأدباء يتصارعون مع الشهرة التي " تجتاح حياتك الخاصة و تعزلك عن العالم الحقيقي " حسب كلماته . وأضاف " لا احب ان أقول هذا الكلام لأنه لا يبدو صادقا، لكني كنت أحب ان تنشر كتبي بعد موتي لكي لا أنشغل بالشهرة و بكوني كاتبا عظيما ".
عن: الغارديان