TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تربي الأغنام لتصنع من صوفها أعمالاً فنية

تربي الأغنام لتصنع من صوفها أعمالاً فنية

نشر في: 18 إبريل, 2014: 09:01 م

إلى أي مدى نستطيع الاستفادة من الطبيعة وما يحيطنا من أشياء ومفردات وتفاصيل وخامات لننجز أعمالاً فنية ، وهل تفرّد الفن ناتج عن تفرد الخامات والمواد الغريبة التي نستعملها في ذلك ؟ المواد والوسائط لها تأثير كبير بالتأكيد ، وهي أساس قيام وبناء ووجود العمل الفني . لكن الذي يعطي لذلك أهمية وتأثيرا أكبر هي الرؤية الفنية والفلسفة التي تقف وراء ذلك العمل ، مدى القدرة على وضع أقدامنا فوق أرض لم يسبقنا إليها أحد ، كيف نصنع دهشة جديدة من خلال مواد متوفرة في كل مكان تقريباً ، لكنها مع ذلك غير معروفة في إعداد أو صناعة الأعمال الفنية .
أثارني هذا الموضوع وأنا أتطلّع إلى أعمال الفنانة الغريبة والفريدة كلودي يونغسترا ( ولدت سنة 1963 ) التي تعمل وتعيش في مقاطعة فريسلاند (هولندا ) وهي نفس المقاطعة التي أعيش فيها . هذه الفنانة التي تنتج أعمالها بشكل كامل من الطبيعة وهي تجوب مشغلها الكبير ، الذي هو عبارة عن كنيسة قديمة تعود إلى القرن السابع عشر ، وبمحاذاتها حقل مفتوح وواسع مليء بأشكال وأنواع غريبة من النباتات والزهور والأعشاب . تربي هذه الفنانة في حقلها مئتي خروف ، حيث تستعمل صوف هذه الخراف تباعاً بانتظام لإنجاز أعمالها الفنية ، وهنا يقوم مساعدوها بتهيئة الصوف بأوقات مناسبة ، وفرشه على أرضيات المرسم ، ثم تجميعه على شكل لبدات وتهيئته للأعمال الفنية . في جانب آخر من الحقل تزرع هذه الفنانة مجموعة كبيرة ومتنوعة من النباتات التي تستخلص وتصنع منها ألوانا تقترب في نوعيتها من ألوان عصر الباروك الهولندي . هي شغوفة بالاكتشاف ويسحرها أن تصنع كل شيء بنفسها ، فالعملية فيها الكثير من التشويق والمغامرة والعثور على أشياء وأشكال وتكوينات جديدة ، وفي كل مرة تنظر إلى الطبيعة وتنتظر الوقت المناسب وهي تترقب كل شيء ، من ارتفاع النباتات والزهور وأشكالها وألوانها ، إلى حجم وكثافة الصوف وهو مايزال يحيط بأجساد الخراف . أعمالها الفنية فيها حياة ودفء وحضور حقيقي ، الصوف مازال حياً ، وهناك شيء من الخراف مازال عالقاً في الأعمال الفنية ، والنباتات أيضاً مازالت حاضرة وهي تترنح على نسمات فرسيلاند وبين حقولها.
وأنت تشاهد هذه الأعمال تشعر بأن الطبيعة تحيطك وتدفئك أيضاً ، بل تصبح جزءاً منك . عشرين سنة تقريباً وهي تقوم بذلك وفي كل مرة تنتظر نتائج جديدة وهي تنقع الصوف في أوان وقدور كبيرة تحتوي على خلاصة ألوان الطبيعة وسحرها الأخّاذ . هذه الفنانة التي استغنت منذ زمن عن المواد والألوان المصنعة وأنتجت أعمالها من خلال منتجات مزرعتها الخاصة ، نجحت نجاحاً كبيراً وأصبحت العروض تنهال عليها من جهات وبلدان عديدة حيث تشغل أعمالها الآن قاعات المتاحف وهي تتدلى عادة من الأعلى لتشغل مساحات كبيرة ومؤثرة . ولم يقتصر عملها على أعمال المتاحف ، بل ذهب تأثيرها نحو الأزياء ومصممي البيوت الذين استفادوا أيضاً من تجريداتها التي تتناسب مع التصميمات الداخلية للمنازل . المثير في أعمالها الفنية هي أنها تبدو غير مكتملة أو أن العمل عليها ما زال جارياً ، وهذا ما يعطيها بعض الحياة والاستمرارية أيضاً . ومثلما أن لكل نبات تستعمله ، خصوصيته من حيث اللون والتأثير فهناك أيضاً الصوف وطريقة إغماسه وبقائه متوحداً مع اللون . الخبرة التي اكتسبتها من خلال عملها الطويل جعلتها تعرف جيداً الطريق نحو العشب المناسب لصوف أغنامها وهي تفكر بالخامات القادمة لمعرضها الجديد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram