TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العنف الثقافي السلطويّ بوصفه انتهاكاً للحياة الإنسانية السويّة

العنف الثقافي السلطويّ بوصفه انتهاكاً للحياة الإنسانية السويّة

نشر في: 19 إبريل, 2014: 09:01 م

تتخذ الدول ذات السلطة  الشمولية والدول ذات السلطة الدينية أو السلطة الشبيهة بالنظام القبلي  موقفا ثقافيا متماثلا  من الآخر المختلف المعارض  لأسلوبها  ونهجها  فتفرض رؤيتها  الثقافية  أحادية الجانب  وتعلنها في وسائل الدعاية  والإعلام التابعة لها كأمر واقع  لا يمكن مراجعته أو نقضه  و تفرض السلطة الشمولية والدينية  تشريعاتها السياسية  بقوة  امتلاكها وسائل ثقافية  متعددة  مؤثرة  في المجتمع والإعلام ، إضافة إلى ما تملكه  من   قوة السلاح  التي تلوّح بها  للمعارضين، يساعدها في  فرض رؤيتها الثقافية على المجتمع المتعدد  تمركز ممثليها في مفاصل  الدولة والمدارس  والجامعات ، وامتلاك بعض الأحزاب المهيمنة  ميليشيات  مسلحة تتسيد على المجتمع  بالعنف  والترويع .
 تعمل وسائل الإعلام والفضائيات التي تهيمن عليها السلطة في دولة تعوزها المؤسسات المدنية الفاعلة على  تكريس العدوان النفسي والروحي  المتواصل  على الآخر المختلف ، فنجد -على سبيل المثال - أن  صرخة (الثأر)  التي يطلقها  سياسي أو زعيم  حزب أو رئيس قبيلة  إثر حدث ما ، إنما   هي  (صيحة جاهلية بدائية)  ترتد  بالدولة إلى عصور الغزو والكرّ والفرّ  وسلطة السيف ،نافية أهمية تطبيق  القوانين  المدنية ، فهي  تثير غريزة  القتال  وتهييج  عواطف العامة  ضد  من تعتبرهم  مختلفين معها  بدل ان تعتمد  حوار التحضر  عبر تبادل الآراء  وإيجاد  توازنات في العلاقة  ما بين  الدولة التي يفترض بها حماية  المواطنين جميعا دون محاباة  وبين مطالب الجماعات والتكتلات  والأفراد  الذين يعارضون طروحات السلطة وأخطاءها .
 العنف  الثقافي - وهو مصطلح يعبر عن  فرض رؤية حزب ما أو جماعة ما أو سلطة ما على مجتمع  متنوع  متعدد -   يعد انتهاكا  وتعديا  وإنكارا  وتجاهلا  لشخصية الآخر  ومتطلبات حياته مما يفضي إلى  إثارة الغضب  لدى الآخر فينبني على غضبه  سلوك  سلطوي عنيف يمارسه أتباع السلطة ومروجو ثقافتها  العنفية و يضاعف  شقة الخلاف والاختلاف بين الأطراف ، ويعمل على إخراس الأصوات  وتحويل العلاقة التكافلية  بين السلطة والمجتمع إلى علاقة  متسلط  ومسلوب ، بدل ان تسعى السلطة أية سلطة  إلى إيجاد  علاقة إنسانية متوازنة متكاملة   مع  مواطنيها.
يزدهر العنف  في  الدول  التي تفتقر إلى  الرؤية المدنية للحياة الإنسانية  ، فإلى جانب  العنف  الثقافي  الموجه  ضد  المختلف ( دينا  وطائفة وعرقا وقومية وفكرا )   يعمل المستفيدون من الاضطراب  الحاصل في المجتمع ، على  إعاقة  تطبيق العدالة ، ففي تطبيقها حرمانهم من أرباح  وثروات  وصفقات  كبرى ،  فيحاولون الإبقاء على  الوضع المضطرب  الذي تتخفى وراء ضبابيته   فئات منتفعة كثيرة  لا يرضيها الصلح الاجتماعي  ولا تتقبل فضح مصادر الصراع  الحقيقية وعلاجها  فتبقى السلطة  المهيمنة  على المشروع  السياسي متمسكة بـ ( العنف الثقافي) .
هناك دوامة من العنف البشري  ممتدة  إلى عمق التاريخ الإنساني  يشرعها  ( الإيمان )   ويعززها  الغضب والتعصب لذلك الإيمان أو العقيدة ، فتلجأ الدول  في مفاصل زمنية  معينة   إلى اتخاذ العنف  سبيلا للدفاع عن  وجودها ومصالحها ،فتهيج مشاعر الغضب  المرتبط   بموروث ثقافي معين  يقوم على استحضار صورة البطل  أو الأبطال وتوظيف  المثال  الثقافي المشترك ليؤدي وظيفة سياسية  معاصرة  فتوظف الثقافة  وهي الإرث المشترك من الذكريات  والعادات  التاريخية المنقولة عبر اللغة المشتركة ،كما توظف التعبيرات الإبداعية لدى المجتمع وتخضع  نظام المؤسسات التعليمية والفنون لتوجهها الثقافي  السياسي ، فتعتمد خطب الساسة في توجيه عنفها الثقافي على المواقف والممارسات الاجتماعية  لتحقيق تسلطها على المختلف وإقصائه  وإنكاره وانتهاك  حياته  فيؤدي ذلك  إلى تفشي الشكوك وعدم الثقة بين الأطراف المختلفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. نيران العبيدي

    عاشت الايادي ست لطفية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram