تتخذ الدول ذات السلطة الشمولية والدول ذات السلطة الدينية أو السلطة الشبيهة بالنظام القبلي موقفا ثقافيا متماثلا من الآخر المختلف المعارض لأسلوبها ونهجها فتفرض رؤيتها الثقافية أحادية الجانب وتعلنها في وسائل الدعاية والإعلام التابعة لها كأمر واقع لا يمكن مراجعته أو نقضه و تفرض السلطة الشمولية والدينية تشريعاتها السياسية بقوة امتلاكها وسائل ثقافية متعددة مؤثرة في المجتمع والإعلام ، إضافة إلى ما تملكه من قوة السلاح التي تلوّح بها للمعارضين، يساعدها في فرض رؤيتها الثقافية على المجتمع المتعدد تمركز ممثليها في مفاصل الدولة والمدارس والجامعات ، وامتلاك بعض الأحزاب المهيمنة ميليشيات مسلحة تتسيد على المجتمع بالعنف والترويع .
تعمل وسائل الإعلام والفضائيات التي تهيمن عليها السلطة في دولة تعوزها المؤسسات المدنية الفاعلة على تكريس العدوان النفسي والروحي المتواصل على الآخر المختلف ، فنجد -على سبيل المثال - أن صرخة (الثأر) التي يطلقها سياسي أو زعيم حزب أو رئيس قبيلة إثر حدث ما ، إنما هي (صيحة جاهلية بدائية) ترتد بالدولة إلى عصور الغزو والكرّ والفرّ وسلطة السيف ،نافية أهمية تطبيق القوانين المدنية ، فهي تثير غريزة القتال وتهييج عواطف العامة ضد من تعتبرهم مختلفين معها بدل ان تعتمد حوار التحضر عبر تبادل الآراء وإيجاد توازنات في العلاقة ما بين الدولة التي يفترض بها حماية المواطنين جميعا دون محاباة وبين مطالب الجماعات والتكتلات والأفراد الذين يعارضون طروحات السلطة وأخطاءها .
العنف الثقافي - وهو مصطلح يعبر عن فرض رؤية حزب ما أو جماعة ما أو سلطة ما على مجتمع متنوع متعدد - يعد انتهاكا وتعديا وإنكارا وتجاهلا لشخصية الآخر ومتطلبات حياته مما يفضي إلى إثارة الغضب لدى الآخر فينبني على غضبه سلوك سلطوي عنيف يمارسه أتباع السلطة ومروجو ثقافتها العنفية و يضاعف شقة الخلاف والاختلاف بين الأطراف ، ويعمل على إخراس الأصوات وتحويل العلاقة التكافلية بين السلطة والمجتمع إلى علاقة متسلط ومسلوب ، بدل ان تسعى السلطة أية سلطة إلى إيجاد علاقة إنسانية متوازنة متكاملة مع مواطنيها.
يزدهر العنف في الدول التي تفتقر إلى الرؤية المدنية للحياة الإنسانية ، فإلى جانب العنف الثقافي الموجه ضد المختلف ( دينا وطائفة وعرقا وقومية وفكرا ) يعمل المستفيدون من الاضطراب الحاصل في المجتمع ، على إعاقة تطبيق العدالة ، ففي تطبيقها حرمانهم من أرباح وثروات وصفقات كبرى ، فيحاولون الإبقاء على الوضع المضطرب الذي تتخفى وراء ضبابيته فئات منتفعة كثيرة لا يرضيها الصلح الاجتماعي ولا تتقبل فضح مصادر الصراع الحقيقية وعلاجها فتبقى السلطة المهيمنة على المشروع السياسي متمسكة بـ ( العنف الثقافي) .
هناك دوامة من العنف البشري ممتدة إلى عمق التاريخ الإنساني يشرعها ( الإيمان ) ويعززها الغضب والتعصب لذلك الإيمان أو العقيدة ، فتلجأ الدول في مفاصل زمنية معينة إلى اتخاذ العنف سبيلا للدفاع عن وجودها ومصالحها ،فتهيج مشاعر الغضب المرتبط بموروث ثقافي معين يقوم على استحضار صورة البطل أو الأبطال وتوظيف المثال الثقافي المشترك ليؤدي وظيفة سياسية معاصرة فتوظف الثقافة وهي الإرث المشترك من الذكريات والعادات التاريخية المنقولة عبر اللغة المشتركة ،كما توظف التعبيرات الإبداعية لدى المجتمع وتخضع نظام المؤسسات التعليمية والفنون لتوجهها الثقافي السياسي ، فتعتمد خطب الساسة في توجيه عنفها الثقافي على المواقف والممارسات الاجتماعية لتحقيق تسلطها على المختلف وإقصائه وإنكاره وانتهاك حياته فيؤدي ذلك إلى تفشي الشكوك وعدم الثقة بين الأطراف المختلفة.
العنف الثقافي السلطويّ بوصفه انتهاكاً للحياة الإنسانية السويّة
[post-views]
نشر في: 19 إبريل, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
نيران العبيدي
عاشت الايادي ست لطفية