اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء >   النقدُ متهمٌ  في مهرجان السياّب بالبصرة

  النقدُ متهمٌ  في مهرجان السياّب بالبصرة

نشر في: 19 إبريل, 2014: 09:01 م

   لولا طول الجلسة النقدية الأخيرة التي أقيمت على مسرح قاعة عتبة بن غزوان بالبصرة بمناسبة احتفال المدينة بالذكرى الخمسين لرحيل الشاعر الكبير بدر شاكر السياب، بحضور عدد كبير من أدباء ومثقفي العراق، أقول لولا الجلسة السقيمة الأخيرة لما كنت مضطرا لتبيان ما يجب ان تكون عليه المؤتمرات والندوات والمهرجانات الثقافية، التي ما زالت تعاني من الارتجال والعفوية والترهل وسوء التنظيم وتكرار ما هو مكرور وممل وغير ذي جدوى.
  ولكي أقف على الجلسة تلك وأقول: بأنه من غير المعقول، لا بل إنه من أعمال الجَلد الثقافي وجود ست ورقات نقدية لستة نقاد في جلسة ختامية أخيرة، تتخللها توزيع هدايا تقديرية ودروع للمشاركين وفيها فاصل للموسيقى وتعقبها جلسة شعرية وبيان ختامي، وكان من الممكن تمرير السأم والضجر الذي شل أدمغة الحاضرين وضيّع الوقت والجهد أيضا لو كانت الورقات النقدية قد اشتملت على ما يلامس ويجوهر الفعل الثقافي والحركة النقدية، بعد مضي خمسين سنة على رحيل رائد الحداثة الشعرية.
  في تعقب أمين للأوراق النقدية التي تليت أثناء الجلسة نجد أن غالبية البحوث كانت عبارة عن مساجلات بين النقاد أنفسهم، واستعراض لمهارات لا تلامس جوهر الشعر وما يجب ان تكون عليه القصيدة، لا بل إنها لم تنجح في بلوغها قلوب جمهور الحاضرين، لأن بعضها كان تعالما معرفياً، فيما انشغل الكثير من النقاد بمن فيهم رئيس الجلسة بقضية العروض والأوزان والزحافات والعلل وتداخل البحور ووو التي أصبحت خارج اهتمام 90% من الشعراء العراقيين، إذا ما علمنا بأن مراجعة بسيطة للشعرية العربية وعلى مدى السنوات العشر الماضية تؤكد على أن معظم الشعر العربي المنشور والمطبوع إنما جاء على النمط الذي عرف بقصيدة النثر، التي تستبعد علم العروض في نظمها كما هو معروف لدى الجميع.
  ولأن الشعر قضية تلامس القلب والوجدان قبل ملامستها الفكر، والشعر كما هو ومنذ قرون كتابةً وقراءةً وسماعا وتأملاً، قضية يقصدها المحبّون لهذا الضرب من بين الفنون الجميلة كافة، فقد كان الأجدر بحلقات النقد والدرس والبحث ان تكون مقبولة مستساغة، مأنوسة ومحببة لدى الحاضرين. لكني والله أشهد، لا أعرف سأماً وضجرا من الذي يتجرعه الجالسون على المقاعد، أشنعَ وأمرَّ من السأم والضجر الذي يصبه النقاد عليهم من خلال بحوثهم وآرائهم النقدية، ولعمري لم اخرج سعيداً، فرحاً يوما ما من قاعة نقدية، وعلى مدى عقود من وجودي على المقاعد تلك. لكني أكون أكثر سعادة، أكثر بهجة وسروراً وأنا أقرأ في كتب كبار النقاد، من الذي ترجمت أعمالهم، أمثال ريشاردز وسي بورا حتى بارت وياكوبسن وتدوروف، لا بل كنت أظن ان كتابات لكتاب وفلاسفة غربيين مثل فوكو وشتراوس ستكون نكداً وعذاباً عليّ، لكني وجدتها غير ذلك، بل هي الأكثر متعة وقبولاً عندي. ترى ما الذي يحدث في ثقافتنا، ولماذا لا يكون ناقدنا محبوباً ممتعاً وكتبنا النقدية محبوبة ممتعة لدينا؟
  من غير المعقول أن يجتهد الناقد العراقي ويأخذ من وقتنا وأسماعنا الكثير والكثير وهو يحدثنا عن مهارات وفنون ومقدرة شاعر ما، في قضية لم تعد ذات معنى في شعرنا اليوم، ولنقل بصراحة: ما الفائدة التي يجنيها الشاعر الجديد من حديث البارحة الذي انفقه النقاد على قضية الوزن وعلم العروض، الذي تخطته الشعرية العربية، ألا يتعظ نقادنا من لحظة وقوفنا مصفقين مبتهجين بالشاعر الشاب مصطفى عبود، الطالب في كلية الهندسة بجامعة البصرة، الذي شدنا اليه عبر قصائد نثر لم تحلب من ضرع  بقرة الخليل بن احمد الفراهيدي قطرة؟
ترى متى يتنبه نقادنا ومربو المهرجانات الثقافية إلى أن أعمالهم هذه لا تصب في صالح ثقافتنا ما لم تقم على فحص الذائقة العامة لدى الحاضرين. ما لم تقم على تعقب المنجز المهم والكبير للأجيال التي أعقبت تجربة السياب، وهل ننتظر موت شاعر مهم مثل حسين عبد اللطيف لنتحدث عنه وهو في قبره؟ ألم يئن الوقت لفحص تجارب أجيال ما بعد السياب؟ ولا أقول يوسف الصائغ، سعدي يوسف، سامي مهدي، سركون بولص، صلاح فائق، عبد الكريم كاصد، كاظم الحجاج ، زاهر الجيزاني، سلام كاظم، خزعل الماجدي، عبد الزهرة زكي ووووو. لكني أقول مع غيري : الشعر العراقي في واد والنقاد العراقيون في واد آخر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram