سنوات طويلة من الموت لم تعلم الكثيرين كيف يعبرون عن اعتراضاتهم السياسية، او كيف يقدمون انفسهم للجمهور.
وللحظة يبدو ان العجز عن اختيار الكلمات المناسبة، هو انغماس في الموت ذاته، وطالما لازمنا "العيّ اللغوي" سيلازمنا انحباس خيارات الحياة.
اول ملامح العجز التي تشغل الكثير من العراقيين هذه الايام، هي فشل معظم مرشحي البرلمان في تصميم دعاية تعريفية مناسبة تتوجه للجمهور بما يحترم ذوقه. وظلت الفواصل الدعائية التي تزخر بها القنوات حالياً، بمثابة فيلم سيء الاخراج، في كلماته وشكله، موسيقاه واهازيجه. احزاب تمتلك مقاعد كثيرة واموالا طائلة، نجحت في شراء الضمائر واستحصال المناقصات وتمرير المزايدات، لكنها فشلت في شراء دقيقتين من الذوق، تحترم بهما جمهور الناخبين.
الدعاية التي تبث على الشاشات، هي بمثابة فيلم رعب، لا لجهة مضمونها وشكلها فقط، بل لانها تدل على ان قطاعاً واسعاً من المرشحين، لا يجد ضرورة للتعامل بذوق رفيع مع الجمهور، ومثل انعدام التقدير هذا، يفسر لنا كيف يكون السياسي مستعداً للتلاعب بالدماء والمصائر، لانه يواجه جمهوراً يظل في تصوره لا يستحق التقدير!
واسوأ ما في هذا انه ينسحب على شريحة واسعة من الجمهور، الذي لا يحسن بالضرورة التعبير عن نوع الظلم الذي يتعرض له، بل ينخرط في مرافعة كلامية مليئة بالشطط، تجعله في احيان كثيرة، يمارس ارهاباً من نوع آخر، كالذي هو ضحيته! ويكفي ان تختلط ببضعة مواطنين ظلمهم الزمان، من نازحي الانبار، ليتعزز لديك هذا الاستنتاج المحبط.
ولعل العجز عن اختيار العبارات المناسبة، سواء لدى الحاكم ام لدى المحكوم، هو الذي يزيد تعقيد مهاراتنا التفاوضية، ومحاولاتنا البطيئة لصياغة عقد اجتماعي مناسب وحكيم يخفف من كل دواعي الاقتتال وشيوع الموت العدمي. فالحداثة السياسية التي يمكنها تطوير المجتمع، تقوم على اساس حداثة في الحجاج والسجال والتفاوض، وضبط دقيق للمعالجات والمفاهيم وصياغاتها، التي تسهل ان نفهم بعضنا، ونتساوم بأقل كلفة، ثم نتعايش، بدل ان نتصارخ في حوار طرشان، ثم ينتف بعضنا ريش بعض، وهي حكاية عتيقة تمتد من انسان الكهف الى داعش ومن يشبهونها على ضفتي الصراع.
واذا كنت تجد العذر للكثيرين، فانك تحتار في التماس العذر لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي لا زال يقاوم كل اشكال الحداثة السياسية، ويحاول جرجرتنا الى اكثر مفاهيم الادارة بدائية واستسهالاً، ويصرخ في وجه معارضيه بهستيريا، متهما اياهم بالتآمر والتعاون مع الارهاب.
وأسوأ تعبير استخدمه المالكي خلال حفل دعائي في الفرات الاوسط مؤخراً، هو ان الاحزاب التي تؤيد اللامركزية الادارية على حساب بغداد، تحمل "مطلبا سخيفا" ينبغي رده!
والاحزاب التي يقصدها المالكي كما تعرفون، تمثل معظم الشيعة والسنة والاكراد، بل ان حزب المالكي في البصرة يجاهر ايضا بتأييد اللامركزية الادارية، ساخراً من وجود مديرية النقل البحري، في بغداد وعلى مبعدة ٧٠٠ كيومتر من اقرب ميناء.
صاحبنا يمثل اليوم اسوأ مظهر من مظاهر العجز عن التفاهم مع جمهوره، والتفاوض مع خصومه، والتعايش مع المحيط الاقليمي والدولي، وأول خطوة لاقتلاع عجزنا عن اشاعة الحوار العقلاني واحترام انفسنا، تتمثل بالتخلص من "المفاوض الفاشل" الذي يصف احدث نظام ادارة في البلدان المتنوعة اجتماعياً، بأنه "سخيف".
عجز اللغة و"سخف" اللامركزية
[post-views]
نشر في: 19 إبريل, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ابو اثير
سيدي الفاضل ... يبدوا أن السيد المالكي لا يستطيع التحرر من شخصية كونه كان معلما في أحدى مدارس طويريج فتراه دائم العبوسية الوجه ونادرا ما يبتسم أو يضحك وكثيرا ما يستعمل حركات يديه وكفيه وخاصة سبابة أبهامه دليل القوة والوعيد مع التلاميذ وترى أغلب كلامه وحدي
نصير عزيز
لاداعي لتكرار نفس الطروحات التنظيرية والتي اصابتنا بالسقم !احيانا الكلام المكرر يدخل صاحبه منطقة الوهم ؟صدقوا او لاتصدقوا ..اذا ازيح هؤلاء السياسيون بالانتخابات الشفافة جدا ..سوف نمسي على وجوه اكثر قتامتا من سابقيها ..لاتحلموا طويلا ولاتتعجلوا الهلع القاد
محمد نعيم القريشي
أستاذ سرمد لقد وصلت اتهامات دولة القانون إلى الشركاء حد الاتهام بالخيانة فأما مع المالكي أو خاىن للوطن والدين والمذهب علما لو كنت معه لآصبحت إماما معصوما وان دافعت جيدا عنه وشتمت الناس من اجله قد تصل مرحله شبيك لبيك العراق وأمواله بين يديك