TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > محكمة النشر و"مليار" أبو رغيف

محكمة النشر و"مليار" أبو رغيف

نشر في: 20 إبريل, 2014: 09:01 م

هل المسؤولون الحكوميون بشرٌ مثلنا؟ يصيبون ويخطئون؟، يضحكون ويبكون؟ أم أنهم مجتمع من الملائكة يحلقون بأجنحة بيضاء، وجوههم سمحة لا يأتيهم الباطل من خلفهم ولا منأمامهم؟
هذا الأسئلة قفزت إلى ذهني وأنا أرى ملائكتنا الحكوميين يتطيرون من أي نقد، ويقيمون الدنيا ولايقعدونها لان صحفيا "مشاغبا" حاول الاقتراب من قلاعهم الحصينة، فإذا ما تجرأ احد ووجه نقدا لسلوكهم الوظيفي تراهم يتعاملون مع النقد بقدر هائل من الحدة وانفلات الأعصاب، فالمفروض بمن يحرص على البقاء في المنصب الرسمي، ويمارس العمل العام، أن يكون مستعدا لمواجهة رياح النقد والهجوم من مخالفيه في الرأي، والمعترضين على طريقه أدائه، أو وجوده في منصبه، ومن هنا يكون غريبا أن يعتبر صاحب المنصب الحكومي كل من يعترض على سياسته وأدائه الوظيفي مجرد "خارج على القانون" و"ينفذ أجندة خارجية"، كما نسمع في تصريحات الكثير من "ملائكة" الحكومة بكل ما أوتوا من طاقة انفعالية متشنجة وغريبة.
عندما يخرج علينا مسؤول بتصريحات تخاصم المنطق والعقل، ويرهب الناس من خلال منصبه الحكومي، ويسعى إلى تشويه الحقائق، ويصر على تحويل المؤسسة الحكومية الى إقطاعية خاصة به، فان هذا النوع من الإرهاب الحكومي لا يمكن السكوت عليه.
لقد قامت قيامة الناطق باسم ما يسمى بغداد عاصمة الثقافة نوفل أبو رغيف لأننا تجرأنا وطالبنا سيادته بأن يكون واضحا وصريحا ويخبرنا بالسبب الحقيقي وراء طرد عدد من الفنانين من المسرح الوطني وإصدار أوامر بمنعهم من الدخول الى دائرة السينما والمسرح، وبدلا من أن يخرج موضحا موقفه من هذه القضية، أصيب بحالة من الهلع دفعته لان يهرول مسنجدا بالقضاء لتخليصه من الورطة التي وضع نفسه بها، فان يتجرأ صحفي من بلاد الواق واق اسمه "علي حسين" ويطالب بالتحقيق في الاتهامات فهذا هو بحق العدوان الغاشم على"دولة المؤسسات" ويجب أن يدفع الصحفي ثمنه. لم أكن أعلم حتى هذه اللحظة أن الاقتراب من قلاع ابو رغيف الخرسانية مسألة في غاية الحساسية على هذا النحو، كما لم أكن أتصور أن العراق الذي يقول الجميع انه منارة للديمقراطية في المنطقة، يمكن أن يضم مسؤولين يحتقرون الصحافة إلى هذا الحد الذي يدفعهم إلى إعلان الحرب عليها، ولم أكن اعلم أن حالة الهلع يمكن أن تصيب السيد ابو رغيف لمجرد مقال، فيما لم يرف له جفن وهو يواجه باتهامات من داخل هيئة النزاهة، بل أن أصحاب الملفات السود ينظرون إلينا، نحن الصحفيين، باعتبارنا نعيش مرحلة مراهقة سياسية مبكرة، ولهذا يجب مراقبتنا مراقبة لصيقة حتى لا نحتك بأي أفكار مدسوسة أو مشبوهة، قد نقع إثرها في الغواية والفتنة. بما أنه لن يتاح للعراقيين أن يصححوا أوضاعهم إذا أخطأوا في حق السيد ابو رغيف، فعليهم أن يقبلوا بما هو موجود،وبالتالي فعلينا أن نشكر بعض السادة المسؤولين لانهم جنبونا الوقوع في فخاخ الديمقراطية الغربية وأصروا ان يؤسسوا أنموذجا خاصا بنا يعيدنا إلى زمن عبادة الفرد. وبما أن كل صحافة لا تسبح بحمد الحكومة ورئيسها ووزرائها ومدرائها العامين فأنها حتما تعمل ضدالوطن، ولهذا فان كل من يساعدها فإنما يساعد الأفكار الهدامة التي تريد النيل من تجربتنا الديمقراطية، وبالتالي فالمطلوب هو بدء مرحلة حصار شاملة لهذه الصحف لتركيعها، فإذا لم يكن بالرد المقنع، فيمكن اللجوء إلى أسلحة أخرى ولتكن غرامات بالمليارات– تيمنا بما يقبضه المسؤولون من رواتب وعمولات-، حتى تنصاع هذه الصحف لأوامر السيد ابو رغيف ، أو تختفي من الوجود.
للأسف أن الآفة التي أصيب بها التغيير في العراق هي الأدعياء، والقافزون فوق سطح التغيير بمنتهى الخفة، ولعل رحلة سريعة على متن "غوغل" أو الـ"ياهو"، من شأنها أن تأتي بالحقائق عارية مهما حاول البعض تغطيتها بتلال من مساحيق التجميل، وأظن أننا بحاجة ماسة للنبش في تاريخ هؤلاء "الملائكة" قبل أن نصحوا يوما لنجد البعض يريد ان يوهمنا بأنه قاد التغيير بعد عام 2003.
فليغضب مني السيد نوفل ابو رغيف او يطالب محكمة النشر بان تاخذ حقه "كاملا مكملا" وبمليار دينار ، فهذا حقه، لكن محاولة اعتبار الكتابة عنه قضية خطيرة تهدد ثقافة العراق فتلك والله هي المهزلة، وأن يعتبر السيد ابو رغيف نفسه أحد الزعماء الخالدين والمحصنين من الهفوات والأخطاء، فهذا ما بعد المهزلة بمسافة مليون سنة ضوئية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. الشمري فاروق

    ايها الصديق العزيز.... بعد زياره لعدد من الصحفيين والصحفيات لزيارة قلعة ابو رغيف الثقافيه... خرج هولاء الصحفيين ولصحفييات محملين بما جادت به قريحة السيد من مولفات شعريه ونثريه وبحوث الفها السيد وكان نصيب ابنتي ست من مؤلفاته صادره عن دار الشؤون الثقاف

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram