في سنوات الحرب العراقية الايرانية ، كان الجنود المتوجهون الى مصير مجهول ، يتجمعون في منطقة الدبيسات ، بمحافظة ميسان ، وبعد تناولهم الفطور من نساء يبعن الشاي والقيمر والبيض المسلوق تنقلهم "الايفات " ، شاحنات النقل العسكري الى وحداتهم ، عبر طريق المشرح البزركان ثم الفكة ومن هناك الى مقرات أفواجهم وكتائبهم ، والجندي الملتحق بوحدته لايفضل الحديث مع زملائه ، يدخن بشراهة وفي ذهنه سؤال ، لطالما ردده مع نفسه ، هل يعود ثانية الى أهله مجازا ام بتابوت ملفوف بالعلم العراقي؟
بائعات الشاي والوجبات السريعة في الدبيسات ، كن يمتلكن معلومات وافية عن تحركات القطاعات العسكرية من جنودها ومنتسبيها الذين اعتادوا تناول طعامهم من النساء ، ومعظهن من كبار السن، ولديهن الاستعداد للإجابة على اي سؤال يطرحه جندي منقول من وحدة الى اخرى ، ولا يقتصر تقديم الخدمات الى العسكريين ، فعند حصول هجوم يتجمع كبار السن من النساء والرجال للاستفسار عن مصير أبنائهم ، فيتوزعون بين كراج العمارة ، والمستشفى العسكري ، والقسم الأكبر في الدبيسات ، فتقوم بائعات الشاي بتوضيح "الموقف وتحديد محور الهجوم على الوحدة العسكرية الفلانية ".
تلك الصورة القاتمة تكررت اليوم في "دبيسات الموصل" الواقعة في كراج علاوي الحلة .
مرآب العلاوي مكان اطلاق سيارات النقل الى محافظات نينوى ، وصلاح الدين، والأنبار يشهد يوميا توافد العشرات من كبار السن للاستفسار عن سلامة الطرق ، وهل شهدت حوادث مؤسفة ، فيتبرع سائقو المركبات العاملون على تلك الخطوط بالإجابة على الاستفسارات ، مع الدعاء بعودة الجنود سالمين الى ذويهم ، فيما يظل الآباء يلحون بطرح الأسئلة ، ليبددوا قلقهم ومخاوفهم على مصير أبنائهم ، انها "دبيسات اخرى " بعد إسدال الستار على سنوات الحروب ، ولكنها ظهرت في زمن انتشار الإرهاب وتنظيماته المنتشرة في العديد من المدن العراقية .
"قصة دبيسات الموصل" أثارت انتباه مراسل جريدة عربية ، وخرج بحصيلة تفيد بان السواق العاملين على خط الموصل بغداد ، يسألون الركاب ان كان بينهم احد منتسبي الأجهزة الأمنية لأنهم ، أي أصحاب المركبات ، غير مسؤولين عن تبعات التعرض لمفاجآت في الطريق ، وانهم يجرون اتصالات هاتفية مع زملائهم للاستفسار عن خلو الطريق من وجود السيطرات الوهمية .
الطرق الخارجية المؤدية الى بعض المحافظات الغربية والشمالية سجلت فيها حوادث قتل عناصر في الأجهزة الأمنية أثناء عودتهم من مقرات وحداتهم الى العاصمة بغداد على يد جماعات إرهابية ، ولتفادي تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة، يتطلب تأمين الطريق او نقل المجازين جوا ، الى بغداد وبالأسلوب نفسه تتم إعادتهم الى وحداتهم ، او نقلهم عبر قافلة عسكرية تصاحبها قوة حماية ، وتسيير دوريات تؤمن الطريق ،حتى لا تشهد محافظات عراقية ولادة مناطق دبيسات تسرد فصول مآسي الحروب ، وحوادث نشاط الإرهابيين .
دبيسات الموصل
[post-views]
نشر في: 20 إبريل, 2014: 09:01 م