TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الأقليات وحق الانفصال

الأقليات وحق الانفصال

نشر في: 21 إبريل, 2014: 09:01 م

أسفرت التقسيمات المفروضة على العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، عن إنشاء دول قطرية رسمت حدودها بالمسطرة على خرائط الدول المنتصرة، اقرأ " الاستعمارية "، حيث ترتب على "الأقليات" العيش تحت حكم الأكثرية في أكثر من دولة وطنية، وقع معظمها تحت حكم الضباط المغامرين الذين اغتصبوا السلطة بالقوة، تاركين الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان في ثلاجة وفروا لها كل الكهرباء اللازمة لبقائها تعمل بانتظام، وكان القمع السمة الرئيسة والشاملة لتلك الأنظمة، وأشده كان موجها إلى تلك الأقليات، التي حُوربت إما تحت غطاء ديني أو طائفي أو إثني، وإلى حد تحريم وصول أبنائها إلى بعض المناصب، التي باتت حكراً على الأكثرية الحاكمة، وتحولت مع مرور الزمن إلى حكر على عائلة الحاكم وأنسبائه.
ليس نتيجةً للربيع العربي، وإنما كواحد من إرهاصاته، تحركت تلك الأقليات لتؤكد هويتها الخاصة، بعد أن مُنعت من المساواة والانخراط في الهويات الوطنية، كان ذلك واضحاً في السودان حيث تمرد أبناء الجنوب المهضومة حقوقهم، ودفعوا الثمن غالياً قبل فوزهم بالاستقلال، ويحدث ذلك اليوم في العراق مع النجاح الجزئي لتجربة الحكم الذاتي لإقليم كردستان، وهو نجاح يستثير حفيظة حكام بغداد الحاليين، وقد يدفع الكرد للبحث عن صيغة جديدة للعلاقة مع مواطنيهم من الأكثرية العربية، ويحدث في دول المغرب العربي حيث تتحرك مشاعر الأمازيغ لتأكيد هويتهم القومية، والاعتراف بها في إطار الدول القائمة، ويحدث في بعض الدول الخليجية، حيث يشعر أبناء الطائفة الشيعية الذين يشكلون أقلية في معظمها بالتهميش والتضييق على حرية انتمائهم المذهبي، قبل أن تضطرهم الظروف للمطالبة بالانفصال إن تعذر البقاء ضمن الدولة بأي صيغة اتحادية، سواء كانت فيدرالية او كونفيدرالية، وبغير ذلك فإن الانفصال سلميا سيكون الخيار الأمثل تجنبا لحروب اهلية تترك آثارها السلبية على الأجيال القادمة.
صحيح أن انفصال الاقليات ليس عملية سهلة، حيث تحتاج الدول الوليدة لكوادر مدربة على إدارة الدول، وبناء جيوش وأجهزة أمن واقتصاد يعتمد على الذات، وعلاقات خارجية تنشأ بعد الاعتراف بتلك الدول، لكن الصحيح أن البعض أنجز كل ذلك مع تمسكه بخيار البقاء ضمن الدولة القائمة، مع امتلاك حرية الانفصال إن تواصل الظلم أو تمت محاولات للحد من تمتع تلك الأقليات بما وصلت إليه من إتجازات، وإقليم كردستان العراق أوضح مثال على هذا، وللخروج من هذه الحالة يبدو لزاماً على الحكومات القائمة تغيير سياساتها جذرياً، بحيث تتغلب الهوية الوطنية الجامعة على الانتماء الفرعي الذي تحتمي به تلك الأقليات، بسبب الظرف السائد. يتخوف البعض من أن يؤدي انفصال الأقليات، وتشكيل دول جديدة تُبنى على أسس ديمقراطية وتُحكم من قبل العلمانيين، إلى تشبث الحكام الحاليين بما هو قائم من حكم ديني متشدد، كما حصل في السودان بعد انفصال الجنوب، وكما يُخشى أن تؤول إليه الامور في دمشق وبغداد إن انفصل الكرد والعلويون، لكن البعض يرد بأن نجاح الدول المنفصلة سيكون حافزاً لابناء الدول القائمة اليوم على التحرك والمطالبة بالتغيير، والمؤكد أن شكلاً من التغيير لابد قادم، لأن بقاء الحال من المُحال. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أرنولد: فخور باللاعبين وكأس العرب بطولة رائعة

المنتخب العراقي يودع بطولة كأس العرب من الدور ربع النهائي

الأنواء الجوية تحذر من ضباب كثيف غداً السبت قد يسبب انعدام الرؤية

وزير خارجية لبنان: تحذيرات عربية ودولية من عملية إسرائيلية واسعة

(المدى) تنشر تشكيلة العراق أمام الأردن في كأس العرب

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram