أسفرت التقسيمات المفروضة على العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، عن إنشاء دول قطرية رسمت حدودها بالمسطرة على خرائط الدول المنتصرة، اقرأ " الاستعمارية "، حيث ترتب على "الأقليات" العيش تحت حكم الأكثرية في أكثر من دولة وطنية، وقع معظمها تحت حكم الضباط المغامرين الذين اغتصبوا السلطة بالقوة، تاركين الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان في ثلاجة وفروا لها كل الكهرباء اللازمة لبقائها تعمل بانتظام، وكان القمع السمة الرئيسة والشاملة لتلك الأنظمة، وأشده كان موجها إلى تلك الأقليات، التي حُوربت إما تحت غطاء ديني أو طائفي أو إثني، وإلى حد تحريم وصول أبنائها إلى بعض المناصب، التي باتت حكراً على الأكثرية الحاكمة، وتحولت مع مرور الزمن إلى حكر على عائلة الحاكم وأنسبائه.
ليس نتيجةً للربيع العربي، وإنما كواحد من إرهاصاته، تحركت تلك الأقليات لتؤكد هويتها الخاصة، بعد أن مُنعت من المساواة والانخراط في الهويات الوطنية، كان ذلك واضحاً في السودان حيث تمرد أبناء الجنوب المهضومة حقوقهم، ودفعوا الثمن غالياً قبل فوزهم بالاستقلال، ويحدث ذلك اليوم في العراق مع النجاح الجزئي لتجربة الحكم الذاتي لإقليم كردستان، وهو نجاح يستثير حفيظة حكام بغداد الحاليين، وقد يدفع الكرد للبحث عن صيغة جديدة للعلاقة مع مواطنيهم من الأكثرية العربية، ويحدث في دول المغرب العربي حيث تتحرك مشاعر الأمازيغ لتأكيد هويتهم القومية، والاعتراف بها في إطار الدول القائمة، ويحدث في بعض الدول الخليجية، حيث يشعر أبناء الطائفة الشيعية الذين يشكلون أقلية في معظمها بالتهميش والتضييق على حرية انتمائهم المذهبي، قبل أن تضطرهم الظروف للمطالبة بالانفصال إن تعذر البقاء ضمن الدولة بأي صيغة اتحادية، سواء كانت فيدرالية او كونفيدرالية، وبغير ذلك فإن الانفصال سلميا سيكون الخيار الأمثل تجنبا لحروب اهلية تترك آثارها السلبية على الأجيال القادمة.
صحيح أن انفصال الاقليات ليس عملية سهلة، حيث تحتاج الدول الوليدة لكوادر مدربة على إدارة الدول، وبناء جيوش وأجهزة أمن واقتصاد يعتمد على الذات، وعلاقات خارجية تنشأ بعد الاعتراف بتلك الدول، لكن الصحيح أن البعض أنجز كل ذلك مع تمسكه بخيار البقاء ضمن الدولة القائمة، مع امتلاك حرية الانفصال إن تواصل الظلم أو تمت محاولات للحد من تمتع تلك الأقليات بما وصلت إليه من إتجازات، وإقليم كردستان العراق أوضح مثال على هذا، وللخروج من هذه الحالة يبدو لزاماً على الحكومات القائمة تغيير سياساتها جذرياً، بحيث تتغلب الهوية الوطنية الجامعة على الانتماء الفرعي الذي تحتمي به تلك الأقليات، بسبب الظرف السائد. يتخوف البعض من أن يؤدي انفصال الأقليات، وتشكيل دول جديدة تُبنى على أسس ديمقراطية وتُحكم من قبل العلمانيين، إلى تشبث الحكام الحاليين بما هو قائم من حكم ديني متشدد، كما حصل في السودان بعد انفصال الجنوب، وكما يُخشى أن تؤول إليه الامور في دمشق وبغداد إن انفصل الكرد والعلويون، لكن البعض يرد بأن نجاح الدول المنفصلة سيكون حافزاً لابناء الدول القائمة اليوم على التحرك والمطالبة بالتغيير، والمؤكد أن شكلاً من التغيير لابد قادم، لأن بقاء الحال من المُحال.
الأقليات وحق الانفصال
[post-views]
نشر في: 21 إبريل, 2014: 09:01 م