يحتفل الصحفيون العراقيون في الخامس عشر من حزيران، بعيدهم الذي يصادف ذكرى تأسيس اول صحيفة عراقية وهي (الزوراء) التي اصدرها الوالي العثماني مدحت باشا في 15 حزيران 1869، ذاكرة عراقية تتناول في هذا المقال جانبا من الجوانب المهنية لحياة الصحافة وما كابده الصحفيون العراقيون الاوائل من معاناة في مجال الاشتراكات السنوية في صحفهم يومذاك.
*الاشتراكات ومورد الصحيفة كانت الاشتراكات في الصحافة العراقية ايام زمان تشكل العمود الفقري لمسيرة الصحيفة او المجلة وديمومة استمرارها، اذا ما استثنينا موارد الاعلانات الضئيلة فكان الاشتراك هو المورد الطبيعي لها والمعين الذي لاغنى عنه في دفق الحياة في شرايينها لسد نفقات الطباعة والورق واجور العاملين وغيرها رغم ان قيمة هذه الاشتراكات كانت زهيدة لا ترهق كاهل المنضوين تحت قائمة المشتركين فيها، وكان التلكؤ في تسديد ماعليهم من ابرز العوالم التي كانت تعيق لصاحب هذه الصحف والمجلات على مواصلة صدورها، فكان صاحب الجريدة او المجلة يحث اصحاب القلم والفكر وطلبة المدارس وارباب المهن والحرف على الاشتراك فيها، واذا ما قبل احدهم الاشتراك يطالبه بتسديد الثمن سلفا، حيث ان الاعتماد على صرفيات الصحف من غير الاشتراك لم يكن مشجعا او مجزيا لتكاليفها وهذا ماحمل بعض الصحف الى ان تدبج في صدر صفحاتها شرطا يقول: من قبل عددا عد مشتركا وهذا ما نهجت عليه مجلة (لغة العرب) التي كان يصدرها الاب انستاس ماري الكرملي، اذ اعتلى صدر العدد الاول منها، الصادر في 1 تموز 1911 نداء (الى الادباء والمشتركين والكتاب) تضمن جملة من الامور ومنها من قبل العدد الاول يعد مشتركا، ولا يلتفت الى طلب الاشتراك ان لم يكن معه البدل، وكررت المجلة هذا النداء بعددها الثاني الصادر في 2 آب 1911.. كان هذا دأب معظم الصحف والمجلات الاهلية التي كانت تصدر انذاك، والتي كانت تعاني من ظروف تأخير الاشتراكات او التلكؤ في تسديدها، اما الصحف الاخرى وهي التي كانت تصدرها الحكومة، فلم تك بحاجة الى الاشتراكات لسد عجزها وتغطية مصاريفها كونها ممولة ومدعمة من قبل الحكومة، وبالتالي فليس ثمة مايدعوها الى نشر التنبيهات والرجاءات، والالتماسات للاسراع في تسديد اقيام ما يترتب بذمة المشتركين. وهذه نماذج مختارة من النداءات والاعلانات التي تؤكد معاناة الصحفيين الاوائل في هذا الجانب وبالقدر الذي يتسع له المجال. *خير البر عاجله تحت هذا العنوان نشرت جريدة (نينوى) التي كان يصدرها المرحوم فتح الله سرسم في الموصل بعددها (33) الصادر في عام 1910 نداء الى المشتركين فيها يقول: ان البعض من مشتركي جريدتنا في الحاضرة والخارج لهم ثمانية اشهر منذ قبلوها ولم يفوا للان بقيمة الاشتراك فنطلب منهم لكي يسرعوا بتسليم بدل الاابونة وسلفا نشكر فضلهم.. ويبدو ان هذا النداء ذهب ادراج الرياح، اذ لم يجد اذانا صاغية من المشتركين حتى ان بعضهم سلخ سنتين من التأخير دون ان يبادر الى دفع ما استحق عليه من بدلات وهذا ما يستشف من مضمون الاعلان الذي نشرته الجريدة المذكورة بعددها (89) الصادر في عام 1911 والذي ناشدتهم فيه، باسلوب رقيق!. من ان تلكؤهم في التسديد يؤثر على حياة الجريدة ونموها، يقول الاعلان: الى وكلائنا وبعض مشتركينا الكرام. نرجو ان تبذلوا اشتراكات السنة الاولى والثانية المتأخرة ان كان بين المشتركين من يصعب عليه دفع البدل فليسدد ماعليه ويطلب قطع الاشتراك، وان كان التأخير ناجما عن عدم العناية فقط فهو يؤثر على حياة الجريدة ونموها ويعرقل مساعينا في الخدمة.. اهتمام قليل ينشطنا ويدلنا على تقدير الخدمات.. *ارسال الاشتراكات والتقاسيط وما عانته جريدة نينوى كانت تعانيه مجلة (اللسان) التي كان يصدرها المرحوم احمد عزت الاعظمي في بغداد، فقد ذاقت هي الاخرى الامرين من تهاون المشتركين في تسديد ما بذمتهم من مستحقات الاشتراكات السنوية، مما اضطرها الى ان تنشر احيانا على صفحاتها النداء اثر النداء والرجاء تلو الرجاء، مطالبة المشتركين بدفع ماعليهم فها هي تنشر بعددها (8) الصادر في عام 1919 هذا الاعلان المشحون بالمرارة والرقة معا: مضى على صدور المجلة نصف سنة ونيف، ونحن نسعى ونجد لارضاء المشتركين ولكن لحد الان لم يتكرم علنيا احد بدفع الاشتراك، والتقاسيط الا القليل لذلك نذكر المشتركين بارسال الاشتراكات والتقاسيط ولهم الفضل. ولم تجد تنبيهات ونداءات مجلة اللسان بهذا الصدد فتيلا، وظلت غارقة في ضائقتها المالية، الامر الذي دفع ببعض رجالات السياسة الى دعم هذه المجلة ماديا، اذ تبرع السيد طالب باشا النقيب بمبلغ (1500) روبية، حينها مثلت رواية، وفود النعمان على كسرى انو شروان، لصالح المجلة. *جريدة (حبزبوز) والمشتركين رغم ان جريدة (حبز بوز) التي ان يصدرها المرحوم نوري ثابت كانت تلاقي اقبالا كبيرا من القراء ولاسيما بين اوساط المثقفين الا ان هذه الجريدة كانت هي الاخرى تعاني الصعوبات المالية المتمثلة في تلكؤ المشتركين في دفع اشتراكاتهم السنوية، ولذلك كانت لاتفتأ تنشر بين الحين والاخر اعلانا يدعوهم الى تسديد اشتراكاتهم باسلوب يجمع بين القليل من الجد والكثير من الهزل والسخرية.. وهذا ما تمثل باعلانها الذي رشقت به المشتركين باول عدد صدر منها في 29 ايلول 1931: الى حضرات المشتركين الكرام!. من ا
الاشتراكات في صحافة الماضي والمعاناة من التلكؤ في تسديدها!
نشر في: 22 نوفمبر, 2009: 04:20 م