تزدهر في العراق هذه الأيام مهنة المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي، وقارئي "البخت" الانتخابي، ومراقبي حركة النواب والمسؤولين، قد يختلفون في طريقة الصراخ، لكنهم يلتقون في رفع نسبة الأمية السياسية.
ويبدو أن العاملين في هذا الحقل من مدمني قراءة الكف والفنجان يتوقعون أن : المالكي سيكتسح الانتخابات ويشكل حكومة اغلبية، وان التيار المدني لا ارضية له في بلد الاسلام والمسلمين، وصالح المطلك رقم صعب في المعادلة السياسية، فيما خبير اجهزة كشف المتفجرات فاضل الدباس سيصبح حتماً رئيسا للوزراء، وهناك "تحليلات وتنبؤات أكثر كوميدية ، منها ما جاء على صفحة الموقع المقرب من رئيس مجلس الوزراء "عراق القانون" بعنوان عريض: هل سيكون رئيس الوزراء نوري المالكي فرانكو العراق؟
تحليلات من نوع كوميدي أو من نوع أكثر إضحاكا. حين يعتقد البعض ان الجنرال الفاشي فرانكو "استطاع ان يقضي على الإرهابيين الاسبان الذين شاركوا في الحرب الاهلية، وافشل جميع هذه المخططات واستأصل كل اذناب الدول الاخرى وقام بإعدامهم ونفي بعضهم وقبض فرانكو على حكم اسبانيا بقبضة من حديد وحكمها بدكتاتورية مطلقة لحين وفاته لكنه في المقابل اسس لحكم ديموقراطي ووطد لذلك بسن قوانين" - هذا نص ما جاء في مقال عراق القانون- .
كاتب المقال المسكين يعتقد ان الجمهوريين الذين اعدمهم جنراله الهمام "فرانكو" هم مجموعة من الإرهابيين تنفذ أجندات أجنبية، ولان محللنا السياسي لم يقرأ التاريخ جيدا، فاته ان فرانكو كان مدعوما من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية ومع عدد آخر من الجنرالات الإسبان الذين سهلوا له القيام بانقلاب عسكري ضد الحكم الجمهوري، وبعد ثلاث سنوات من الحرب والاعدامات في الشوارع نجح الجنرال وأعوانه في حسم المعركة وتأسيس ديكتاتورية استمرت ما يزيد على ثلاثة عقود.. وقد اشتهر حكم فرانكو بعداء لكل ماله علاقة بالفكر والإبداع ولعل الجريمة التي ارتكبها أنصاره بقتل الشاعر الإسباني الشهير لوركا تعد حتى هذه اللحظة وصمة عار في تاريخ اسبانيا.
بعد وفاة فرانكو عام 1975 بدا شبح الحرب الأهلية كابوسا يلوح في الأفق مذكرا الإسبان بتاريخ لا يريدونه أن يعود. وقتها ظهر السياسي أدولف سواريث الذى اختير ليكون رئيسا للوزراء.
لم تكن المهمة سهلة أمام الرجل البلغ من العمر 43 عاما لكنه أدرك منذ اللحظة الاولى أن الوفاق الوطني هو السبيل لطي صفحة الماضي، ولم يكن وفاقا على طريقة عامر الخزاعي صاحب نظرية المصالحة المستدامة.
كان المناخ في إسبانيا آنذاك مهيأً تماما لاشتعال الأوضاع في أية لحظة، خاصة أن الجميع لم يكن قد نسي الدماء التي اريقت والضحايا الأبرياء الذين قتلوا، الا ان قوة صاحب الابتسامة الهادئة نجحت في إقناع الشعب الاسباني، بأن هناك قاربا إسبانيا واحدا لابد ان يركبه الجميع. وأن راكبا واحدا بإمكانه أن يغرق المركب، اقتنع العسكريون بأن عليهم السماح لليسار بالعمل ورفع الحظر عن الحزب الشيوعي. وأبدى الشيوعيون مرونة حيال الاعتراف بالملكية، وهم الذين خاضوا الحرب دفاعاً عن الجمهورية.
لم تكن المهمة سهلة، امام سواريز الذي وجد نفسه وجها لوجه امام دعاة الحروب والدكتاتورية، وفي مشهد مثير يقتحم عدد من الجنرالات البرلمان الإسباني طالبين من جميع النواب ان يخرجوا رافعين ايديهم مستسلمين، وحين رضخ النواب لمطالب العسكر انتفض سواريث ليصرخ بهم : "لن ترفع اسبانيا يدها مستسلمة، فإسبانيا التوافقية ستبقى مرفوعة الرأس باتجاه المستقبل، فلا مكان للماضي المظلم"، وفشل العسكر في العودة بالبلاد الى زمن الحرب الطائفية.. فقد امن الجميع بسحر كلمات سواريث من ان الثأر لا يبني بلدانا، وان رقصة المنتصر لا مكان لها، فشعار إسبانيا الجديد التعايش أولاً والتسامح والمحبة ثانياً وثالثاً.
تحصد إسبانيا اليوم ثمار حلم المحامي سواريث بدولة مستقرة اقتصاديا وسياسيا، فقد رفع الرجل شعار "لاتلتفتوا الى الوراء " فكان أن ارتفع الدخل الحقيقي للسكان إلى أكثر من 80 بالمئة مع ازدهار عمراني وثقافي، في المقابل نحصد نحن مع ثمار احلام المالكي ودعاة "دولة القانون" ثمان سنوات من الخيبات والأزمات وبلدا مريضا تفتك به أمراض السرقة والرشوة والتزوير والانتهازية والمحسوبية والطائفية، والأخطر مرض الزعامة الزائفة التي يحلم اصحابها باستدعاء خياطين لتفصيل بدلة عسكرية وبنياشين لفرانكو يحكم العراق بقبضة من حديد.
فرانكو العراق
[post-views]
نشر في: 21 إبريل, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
خليلو...
لن اقول :مساكين سياسيو اليوم ولكنني اقول تافهون فكل من مارس السياسة قبل 2003 يعرفون الفرقة الاممية ويعرفون غورنيكا تلك القرية الباسكية ويعرفون ان الروائي الاميريكي صاحب لمن تقرا الاجراس ارنست همنغواي وفتى عراقي كل اولئك قاتلوا مع الجمهريين ضد الفاشية ال
رعد الصفار
شكرا لهذه المقاله علما بان كاتب مقاله عراق القانون هذا الفطحل لم يسمع بالوحة كورنيكا للرسام العالمي بيكاسو
د. شيرزاد
شي مهم لم يضهر بوضوح في المقاله: اولا جرت انتخابات حره في اسبانيا وأوصلت الأحزاب الجمهورية العامانيه اليسارية للحكم. فرانكو كان في معسكر سوته المستعمرة لحد الان. فرانكو اتحد مع الكنيست الكاثوليكيه وهي مرجعيته دينيه قويه . فمعا عبر فرانكو عبر جبل طارق الى