بعد ان صفعته لتفرغ شحنة الغضب والألم التي تملأ قلبها ، رفعت تلك المرأة الإيرانية حبل المشنقة بيديها من عنق قاتل ابنها بعد ان سامحته وعفت عنه قبل لحظات من إعدامه في مشهد دراماتيكي نادر الحدوث ..لم يكن شيئا بسيطا أبدا ذلك الشعور بالتسامح تجاه من خطف زهرة شباب ابن تلك المرأة لكنها تمتلك دون شك قلبا كبيرا فالنفوس الكبيرة وحدها قادرة على التسامح ..
في عالم السياسة نادرا ما يتداول الساسة مفردة التسامح رغم ان عظمة الرجال تقاس بمدى استعدادهم للعفو والتسامح عن الذين أساءوا اليهم كما يقول تولستوي ..انهم يسارعون الى عبارات الشجب والتنديد والاستنكار في بداية الأمر ثم تبدأ مرحلة التصعيد السياسي والإعلامي فتصدح حناجر المناصرين والمؤيدين للانتقام والثأر ويشحذ بعض الكتاب الماجورين أقلامهم لتأجيج نار الحقد وتحشد بعض القنوات الرخيصة طاقاتها لتضخيم القضايا الصغيرة في بدايتها ، وهنا تأتي مرحلة اللجوء الى العنف والقوة باستخدام السلطة السياسية او الحلول العسكرية المدمرة ..هذه ببساطة مراحل تطور الأمور في بلد لا يعرف ساسته التحلي بروح التسامح مع شعوبهم وهو ما حدث معنا وحول شعبنا الى فرق مشتتة الذهن والإيمان والولاء ..فهناك من وجد نفسه فجأة ضحية حرب بين الأخوة فخسر منزله ومصدر رزقه وربما احد أولاده لمجرد إصرار وتعصب من طرف وتعنت وشحن طائفي من الطرف آخر وهكذا بلغ عدد النازحين من محافظة الأنبار حتى هذه اللحظة ما يقارب المليون شخص كما اعلن مجلس المحافظة يعيشون حاليا في أسوأ ظروف صحية وحياتية عموما ..
وهناك من تجبره ظروف الحياة القاسية على الحاق أولاده بالجيش او الشرطة فلا يعودون اليه بالرواتب الضخمة التي تضعها الحكومة طعما لهم بل يعودون الى أمهاتهم بتوابيت تضم أجسادا فتية وأحلاما كبيرة وقصصا مؤلمة حد البؤس ..وهناك رجال توهموا ان وراءهم ظهورا سياسية قوية تسندهم للحصول على طلباتهم المشروعة من حكومتهم وفجأة تلفتوا حولهم فلم يجدوا ظهرا يحميهم وزكمت أنوفهم رائحة العمالة والخيانة العفنة ففقدوا مطالبهم واستقرار مدنهم ووجدوا انفسهم بين نار حكومة تلعب آخر ورقة انتخابية لها بتأجيج حرب طائفية ونار جماعات مسلحة استغلت لهفتهم لتحصيل حقوقهم فنخرت أراضيهم بحجة دعمهم ولا يتكهن احد حتى الآن بما يختفي من أهداف وراء تقدمها التدريجي الى اطراف بغداد ..
ما كان يحصل مثلا لو احتوى الحاكم شعبه منذ البداية بروح تسامحية فنفذ له بعضا من مطالبه؟ ربما كان سيحصل على أصوات مؤيدة اكثر فاغلب العراقيين باتوا ينشدون السلام والحياة الهادئة الآمنة بعد ان ذاقوا الأمرين على أيدي حكوماتهم وبدلا من التجول في محافظات الوسط والجنوب فقط لاستجداء أصوات أبنائها كان سيجد نفسه ضيفا مرحبا به في مضايف أهله في الأنبار لو زارهم منذ البداية ليقول لهم بنفسه : " انا ابنكم واخوكم وسألبي مطالبكم ولنبني عراقنا معا !!" أنها أضغاث أحلام بالتأكيد فماذا يعني ان يحترق الأخضر بسعر اليابس ليعود الحاكم حاكما بطريقته ووفق أجندته الخاصة.. العديد من أهالي المناطق المتضررة نادمون أيضا لأنهم تصوروا ان بإمكانهم تفصيل العراق بمقص العنف لضمان حقوقهم ولم ينتظروا الانتخابات ليفعلوا فعلهم الجاد في التغيير الحقيقي ..لقد فقدوا فرصتهم في استعادة حقوقهم سلميا أو بالقوة وتركوا أرضهم نهبا لأطماع الحاقدين والفاسدين ..
هي معضلة ربما تحلها المرحلة المقبلة او تزداد سوء لكن اهم ما يميزها انها تخلو تماما في الوقت الحالي، من روح التسامح ...!!
جميع التعليقات 2
امير عبد علي
مع ان المقدمة ابكتني وهذه موضوع فردي تجاه عدم انتقام الام ـــ اما ما ذكرت في المصالحة ليست بهذه السهوله مع ان اهل الانبار طيبون لكن العملية كبيرة ،تنفيذ اجندة عالمية اما تلاحظين القتلى من جنسيات مختلفة عربيةواجنبية اما تلاحظين الوقفة الاخيرة لاهل الانبار
أبو همس الأسدي
الأخت عدوية .. موضوع مهم جدا وربط صائب لموضوعة التسامح بين الشخصي والعام.. بما يدلل على امكانية التسامح العام طالما أن الأنسان قادر على التسامح والتنازل الشخصي بما لايمكن الهي لم تفقد أي عزيز من أسرتها !!تنازل عنه وهو حق الحياة المسلوب من ابن تلك المرأة