في آخر الليل تسلل هادي المهدي وحيدا، لكي يعيش ثانية لحظة مشاكسة نصير غدير او الضحك من القلب على حكايات "أبو زهراء"، كان الأصدقاء يجلسون على تخوت مقهى أرخيته يروون قصص عشقهم لهذه البلاد التي يتمنون ان يعيشوا فيها دون ان يفتش احد عن هوية الآخر، يجلسون منهمكين في الحديث عن ساسة يريدون صناعة دويلاتهم بقوة السلاح، ساسة يصرون على مصادرة الامل والمستقبل بعد ان صادروا الاحلام وحفروا قبورا لحكايات العراقيين.. يتطلع هادي المهدي في الوجوه التي احتلت مكانها على تخوت المقهى، انهم يتزايدون يوماً بعد يوم ليرووا لنا حكايات حلمهم ببلد معافى.
تتشابه الحكايات أحياناً، ويتحول الانتماء الى المقهى الى جزء من رابطة العائلة الواحدة ، الحكايات تبدأ بالكتب، وتنتهي بالمسرح واخر الافلام، لم يكونوا يدركون ان هناك من يريد منهم ان يعيشوا في ظل اسطورة الخوف..قال لهم هادي المهدي: يا أصدقائي إنها الحرب التي التقت عندها المصالح.. لافرق بين دراجة يقودها ارهابي يعتقد ان رواد المقهى يجب اجتثاثهم لانهم كفار، وبين ساسة يعتقدون ان الوطن مجرد دكان يبيعون فيه شعارات المال والمصالح.. إنها حروب الدفاع عن المصالح والمغانم.. لا قبلها ولا بعدها.. ليس مهما أن تتدمر مؤسسات الدولة.. أو تتحول المؤسسة الأمنية الى متفرج، ففي النهاية كل شيء يصب في مصلحة تجار الحروب.. وليس مهما بناء اجهزة امنية حقيقية مهمتها حماية المجتمع وقوانينه والحفاظ على امن الناس.. وانما الاهم تأسيس اجهزة لمحاربة الضعفاء واشاعة مفهوم المواطن الذليل.
هادي المهدي لم يكن غاضبا هذه الليلة، فقد حسم أمره ويريد ان يعيش في قلب المغامرة... قبل عامين توقف صوت هادي ، اعتقد الأصدقاء ان القتلة انتصروا عليه، لكنه عاد اليهم بالامس ليروي من جديد حكاية ضباط الجيش الذين كانوا يستمتعون وهم يمارسون طقوس إهانته، ظل هادي المهدي يتساءل ترى من يصر على منعي من الجلوس قرب حميد قاسم ومناضل داود وفاضل محيسن وباسل شبيب، ويكره ان أعانق مقهى ارخيته، واستريح في المكان الذي شهد ولادة مشاريعي المسرحية، من يريد اقتلاع هذا المكان الذي يمتلئ كل ليلة بمغامرات الاحبة وبكلماتهم المعطرة بالقداح والرياحين؟ ذات ليلة كان هادي المهدي منتشيا يضحك بصوت عال وهو يقول : لماذا لايحق لي ان ادفن قرب احد تخوت المقهى، ، اريد ان اسمع ماذا ستتحدثون عني بعد موتي.
أتطلع في صور احبة نجوا من مذبحة الامس في ارخيته واعيد معهم السؤال نفسه الذي طرحه ذات ليلة هادي المهدي، لماذا لا يريدون منا ان نحلم جميعا بجمهورية العدل والقانون والمساواة، فأجد أننا اليوم نعيش في بلاد توشك أن تصبح اسماً بلا مسمى.. بلاد بحاجة إلى إنقاذ، ولن ينقذها إلا استعادة حلم العراقيين بدولة المواطن، لا جمهورية الطوائف.
بعد احد عشر عاما لايزال صوت هادي المهدي يحذرنا من سياسيين يمارسون لعبة تغييب العقول، واللعب على انتظار جمهور المتفرجين لبطل منقذ، سياسيون ليس لديهم إلا حديث المؤامرات الذي لم يعد مسلياً، كل ما يقولونه لا يشير إلى تشغيل العقل.. ولكن إلى زغزغة الخوف من المؤامرة الوهمية.. إلى التسارع للاحتماء تحت جناح القائد المنقذ.
بالأمس تعرَّض مقهى ارخيته الى رصاصات قاتلة ، مثلما تعرض من قبل هادي المهدي إلى رصاصات مجهولة لم تعثر الحكومة وقواتها الامنية حتى هذه اللحظة على اصحاب "كواتمها"، مثلما لن تعثر على صاحب الدراجة التي انفجرت في قلب المقهى ومزقت أحشاءه... يضحك هادي المهدي وهو يعيد طرح السؤال : ترى مَن يعلـِّم ساستنا الصدق أو السيطرة على الكذب.. مَن يُدلهم على طريق لمخاطبة الناس أكثر ذكاءً وأكثر صدقاً؟
أيها الأصدقاء وانتم تنعون مقهى ارخيته ، لا تتركوا هادي المهدي وحيدا ، لا تخلعوا الكرادة من ذكرياتكم، وتذكروا ما قاله عمنا رشدي العامل: لا ترحل إن شراع الغربة، اسود من ليل الجلادين، لا تحزن أن الليل قصير، والشمس على موعدها.
اما انا فلن اخلع مكاني في المقهى، لان فيها اضحك من القلب ، ولا أموت من القلب إلا فيها.
هادي المهدي لن يترك مقهى رخيته
[post-views]
نشر في: 22 إبريل, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
اأبو سعد
عمنا رشدي العامل: لا ترحل إن شراع الغربة، اسود من ليل الجلادين....بربك كيف؟ أخبرني هل ننعل اليوم اللذي ولدنا فيه.؟
خليلو...
اذن ليس داعش ولا الغبراء القاعده وحدهما من يصنع المصاطيل ويكلفهم اداء مراسيم الرحيل الى حيث اللقاء بالحور العين ، وانما اصحاب الكواتم ايضا بفعلون ما يفعله اخوة لهم من الطرف الاخر !! من ظن خلاف هذه الحقيقة فهو اما مخدوع واما جاهل لا عقل له لانه
علي العراقي
احسنت واجدت علاوي والله انا احب كتاباتك واسلوبك الرائع الجميل الذي يهز الاهماق ويحفز الشجون تحية لك اخي اتمنى ان يقرؤك السياسيين ولكنهم اميين ...
ابو اثير
قتلة مثقفي مقهى أرخيتة في الكرادة هم نفسهم قتلة هادي المهدي وقتلة المتظاهرين والمنتفضين السلاح هو نفسه وألآمر بالقتل هو نفسه وسنرى ونسمع بقتل يحصد خيرة الشباب العراقي مستقبلا وليس هذه ألأخيرة .. فمتى تستفيق يا شعبي وتنفض عنك غبار اللا مسؤولية فأنت تقاد يو