TOP

جريدة المدى > عام > فيلم السيد لزهر.. حكاية الشجرة واليرقة التي لم تصبح فراشة

فيلم السيد لزهر.. حكاية الشجرة واليرقة التي لم تصبح فراشة

نشر في: 23 إبريل, 2014: 09:01 م

كدبيب ألم يمتد مُنساباً إلى جرح غائر ليوقظ فيه كل الأنات,أو مثل حكاية تشبعت الأسى حين تتقطر في روحك المجبولة بالحزن لتطلق مع آخر رشقات عباراتها شجنك كتنهيدة حسرة ووجعك بصرخة آه,مع ابتسامة خافته تفتح صفحة رجاء وأمل قد يكون في الآتي رغم سرابيل الموجعات

كدبيب ألم يمتد مُنساباً إلى جرح غائر ليوقظ فيه كل الأنات,أو مثل حكاية تشبعت الأسى حين تتقطر في روحك المجبولة بالحزن لتطلق مع آخر رشقات عباراتها شجنك كتنهيدة حسرة ووجعك بصرخة آه,مع ابتسامة خافته تفتح صفحة رجاء وأمل قد يكون في الآتي رغم سرابيل الموجعات الماضية. فألق النفوس الذابلة مازال يمتلك الجذوة رغم خفوت الوهج حتى كاد ان يستمرئ كونه خيط دخان تبعثره نسمات رياح بارده, هذا البصيص تلقفه السيد بشير لزهر(محمد فلاق) ليجعله مدخلا لروحه المحطمة قبل ان يكون وسيلة يدلف من خلالها لعالم تلاميذ في مرحلة الابتدائية شكل مشهد معلمتهم المنتحرة في الصف صدمة لنفوسهم الغضة. أصل القصة هذا لايلبث ان يمتد بصياغة سيناريو محكم وحوارات تمظهرت بلبوس البساطة والعمق إلى منحنيات استشعارية لمشاكل اجتماعية تقولبت بالإطار الشخصي تارة وبالعام تارة أخرى, جمعها بسلاسة رائقة الأسلوب المميز للمخرج الكندي(فيليب فالاردو) في رابع تجاربه السينمائية مظهرا قدرا كبيرا من الذكاء من ناحية اختياره لشكل اللقطة أو زاويتها محاولا جعل الكاميرا ساندا للحوار ومفسرا له دون ان يترك المتلقي عرضة للملل من خلال مونتاج سلس وتوقيتات زمنية محسوبة بدقة كبيرة مما منح الفيلم تجديدا لأحداثه رغم محدودية المكان المتأتي من كون القصة كتبت بالأساس للمسرح تحت نفس العنوان للكاتبة المسرحية (إيفيلين دي لاشينيلير).فحين يفتتح فيلم السيد لزهر مشاهده نكون في باحة المدرسة مع بداية يوم دراسي شتائي الموسم بعد ان غطت الثلوج معظم أجزاء الصورة حيث التلاميذ بانتظار جرس بدء الحصص حين تذكر إليس(صوفي نيليس) زميلها سيمون(ايميليون نيرون) بأن اليوم دوره في توزيع علب الحليب على مقاعد التلاميذ في الصف, فيسارع خطاه لكنه يفاجأ بأن باب قاعة الدرس مقفلة ومن خلال الزجاج يلمح المعلمة مارتين لاشانس وهي متدلية من السقف,يسقط من يديه صندوق الحليب ويهرع راكضا من هول الصدمة نحو إدارة المدرسة لتأتي المعلمات بعجالة لإخراج التلاميذ مرة أخرى إلى الباحة,وحدها إليس تقترب بريبة من صندوق الحليب المبعثر على الأرض ثم يمتد نظرها نحو الصف ليتلقى ذلك المشهد الفاجع قبل ان تتلقفها أيدي المعلمة لتسحبها بعيدا. فالاردو مخرج حاذق يعلم ان خطوط الحكاية قد لا تسعفه كثيرا في سحب المشاهد نحو التفاعل مع الأحداث مالم يضعه في دائرة التوتر مستدعيا ذهنه نحو خانة التركيز,وهو  مانجح فيه حين يجعل من صدمة الانتحار داخل الصف بوابة الولوج لفيلمه, عندها فقط ينساب تتر المقدمة بصور متعددة للمدرسة وطلي جدران الصف المنكوب بألوان أخرى مترافقا مع موسيقى مدرسية تُشعِرك بحنين شديد.مسكونا بالماضي يجترح السيد لزهر أحزانه ليحيلها قوت يومه المنغمس بصقيع الغربة ونصال الذكريات المريرة حين وجد نفسه بلا عائلة,بلا مسكن,بلا وطن يحتويه ويستغرق أيام عمره,فلهيب الفتنة أحرق كل شيء حيث هجم الإرهاب بشياطينه ليشعل النار في العمارة التي يقطنها فتموت الزوجة والطفلان,فقط لان قرينته أصدرت كتابا ينتقد قانون المصالحة الوطنية وقرار العفو عن المجرمين الملطخة أيديهم بدماء الشعب الجزائري سواء كانوا أصوليين أو جنودا في الجيش والدرك, وبروح حطمتها بشاعة الجريمة يهرب بشير الموظف السابق وصاحب المقهى بعد التقاعد مدفوعا بغريزة البقاء إلى مقاطعة كيبك في كندا أو جمهورية كيبك كما دون في طلبه للجوء وهي مفارقة إثارة ضحك المسؤولين وغبطة بعضهم لأن هناك من يطالب باستقلال المقاطعة عن كندا.وفي مدرسة تعيش على وقع الحادثة حيث تعاني المديرة لإيجاد بديل مارتين يكون ظهور السيد لزهر كإنقاذ لها فتسلمه الصف بلا تردد ليبدأ رحلته مع التدريس وهو أمر لم يعرف عنه شيئا سوى ما كان يسمعه من زوجته المعلمة, طلاب من أعراق مختلفة يحاول ردم الهوة النفسية لهم من خلال التقرب لحياتهم الدراسية وانشغالاتهم العائلية مندفعا بشعور الحزن والأسى الذي غلف حياته لتجنيب نفوسهم الغضة هكذا إحساس,لكن حماسه يصطدم بتزمت الإدارة الملتزمة ببيروقراطية القوانين التعليمية الأشبه بقيود تحد من سلوك المعلم وتقتل تفاعله مع تلاميذه -فلا مسك ولا تربيت ولا أحضان ولا تقبيل وبالتأكيد لا ضرب- ,والهلع غير المفهوم بالنسبة له من عدم تنفيذها ,مترافقا مع اعتراضات أولياء الأمور على أسلوبه في تكوين علاقته الإنسانية مع أبنائهم بالتأسيس على خلفيته الفكرية والاجتماعية وليس على مرتكزات الثقافة المجتمعية لهويتهم الكندية .هذا الشغف الإنساني تجسد بكاميرا أدارها باقتدار(رولاند بلانتي) مترجما الرؤية المبدعة للمخرج فالأردو حيث الزاوية وحجم اللقطة تتكون تبعا لشكل الإحساس وجمل الحوار دون الارتكاز على إطار ثابت مما شكل دفقا صوريا تميز بالحيوية لتجاوز أي رتابة نتيجة محدودية المكان,دون إغفال الأداء العالي والمتقن للممثل الجزائري الفرنسي محمد فلاق(هاجر من الجزائر في فترة التسعينات حقبة الإرهاب بسبب الظروف الأمنية والاجتماعية الصعبة).أخيرا ينال السيد لزهر قبول طلبه باللجوء بعد سجالات المحقق والقاضي معه حين مُس شغاف قلبه لينثال اسى حكايته المفجعة, عندها فقط حل صمت الحقيقة على الجميع.وكمعادل رمزي لسيرة الحياة وتغيراتها كان الربيع قد أتى مزهوا بخضرته الفاتنة,في تبدلات فصلية شكلت معيارا لمسارات النفوس الغضة وانعطافاتها,ليرتفع نسق الحكاية نحو التفاؤل وأمل ينمو, لكن رحلته التعليمية ختمت بقرار المديرة إنهاء خدماته لاستمراره بفتح موضوع الانتحار مع طلابه وأولياء أمورهم رغم التحذيرات, ليطلب منها إكمال محاضراته معهم لذلك اليوم بدل المغادرة دون وداع مثل السيدة مارتين فتوافق,كان قد وعدهم بكتابة حكاية في درس الإنشاء مثلهم حيث يتشاركون النقاش والتصحيح, فلنصغِ إليه وهو يلقي عليهم حكاية (الشجرة واليرقة) بصوت تأطر بحنين موجوع,"بعد أن حل الموت بشكل ظالم لايوجد شيء لأقوله,بعد ان تسلل الألم بين أغصان شجرة الزيتون,حيث تعلقت هناك يرقة زمردية اللون بالغد ستصبح فراشة حين تتحرر من شرنقتها,كانت الشجرة سعيدة لرؤية اليرقة تنمو, أرادت ان تبقى لسنوات عديدة, فهي تقيها من العواصف وتحميها من النمل,لكنها حتما ستغادر في الغد لتواجه حياتها الجديدة حيث الحيوانات المفترسة والجو السيئ,في تلك الليلة اشتعلت النار في الغابة ولم تتحول اليرقة إلى فراشة,عند الضحى برد الرماد وبقيت الشجرة واقفة هناك لكن قلبها أصبح متفحما تغمره المرارة والأسى, منذ ذلك الوقت كلما حط طائر عليها تحدثه عن اليرقة التي لم تستيقظ أبدا ,فيتخيلها الطائر بجناحيها الممدودين عبر سماء زرقاء صافية تتنسم رحيق الحرية وشاهدة على قصص الحب السرية".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الأنواء الجوية: ارتفاع في درجات الحرارة الاسبوع الحالي

الكويت تنفي تدهور الحالة الصحية لسلمان الخالدي الذي تسلمته من العراق

ترامب: نريد 50% من ملكية تطبيق تيك توك

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram