مسكينٌ هو جورج بوش ، لقد ظلمناه كثيراً ، كلنا قد ظلمناه ، لم نفهمه ولم نعطه فرصة لإفهامنا ، حتى اضطر لرسم مجموعة من اللوحات وعرضها في معرض شخصي ، بعد أن يئس من فهمنا له على الوجه الصحيح الذي يستحقه ، لا لكي يثبت لنا تطلعاته الفنية فقط ، بل ليُرينا مدى حبه للجمال والفن والإنسانية أيضاً . يالسعادتنا ونحن نكابد الدهشة والفرح بهذا القادم الجديد لعالمنا التشكيلي . فقد ظهرت الأخبار وبانت الأنباء في الإعلام العالمي لتبث وتنشر لنا بفرح غامر خبراً عن معرض جديد للفن التشكيلي ، وما جورج بوش إلا بطل لهذا الخبر الفني الطازج . قد يظن البعض بأني أقصد هنا عبقري الرسم الهولندي يرون بوش ، لكني أطمئنهم بكل محبة وأؤكد أنني لا أقصد ذلك أبداً ، كذلك لم يحصل خطأ طباعي في الجريدة ، وما قصدته هو الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الذي تحوّل بين ليلة وضحاها إلى فنان يشار له بالبنان ، وتفرد له الصحف ووسائل الإعلام صفحاتها وقنواتها للإشادة بعبقريته في التعامل مع اللون بطريقة متفرّدة . قد يسأل البعض ، لكن لماذا ظهرت عبقريته في هذه السن المتأخرة ؟ وهنا أقول بأن الإبداع ليس له سن محددة ، وأذكّرهم بالرسام الفرنسي هنري روسو الذي بدأ الرسم بعد أن تقاعد من عمله في الكمارك ، حتى أن البعض قد أطلق عليه تسمية الرسام الكمركي .
لكن الشيء الذي حيّرني في الحقيقة ولم أفهمه أبداً هو ، كيف تخلى السيد بوش عن رسم لوحاته المأساوية بدماء العراقيين ليتحول إلى الرسم بالأكريليك ؟! كذلك لم أتخيّل أن المنافسة بيننا كرسامين سيدخلها جورج بوش بهذه القوة ، كيف ترك هوايته القديمة كمدمن على الكحول ؟ كذلك كيف تخلى عن موهبته الأكثر شهرة ، وهي تدمير البلد الذي هو مهد الفن والحضارة كلها ، وأقصد بلدي العراق ، ليدخل إلى الوسط الفني ويسلك طريق المعارض والقاعات الفنية ، ويثير غيرة الرسامين في كل مكان ، من ستار كاووش إلى دافيد هوكني ، حيث أكلهم الخوف والترقب من القادم الجديد لعالم اللون والخط .
المتجر الذي باع له الألوان وعدّة الرسم ربما يكون قد ربح كثيراً من النقود ، لكن قماشات الرسم المسكينة خسرت براءتها وجمالها وهي تتلطخ بيديه المليئتين بدماء أهلنا وأطفالنا وترابنا ، وها هو يعرض (معرضه ) الشخصي الأول في مكتبة ومتحف العائلة في دالاس ( ولاية تكساس ) ويرسم ( بورتريهات ) مضحكة لزعماء ورؤساء وشخصيات معروفة . وكي يثبت أن فرخ البط يعرف السباحة جيداً ، فهو يقول في حديثه عن ( المعرض ) وبالذات عن بورتريت والده بوش الذي رسمه أيضاً ( كنت أبكي وأنا أرسم صورة والدي ) . لم أكن أعرف أنه بهذه الحساسية المرهفة ، هو الذي عرف الضحك طويلاً حتى كاد يسقط على قفاه ، متمتعاً بابتسامته الخالدة عندما حوّل العراق إلى حطام . هو أدخل صورة والده المتحف ، لكنه تناسى بالتأكيد متحفنا العراقي الذي سرقه جنوده وقتها!وكي تكتمل الحكاية ، فقد أطلق اسم ( فن القيادة ) على معرضه هذا الذي رسم فيه 24 شخصية ، وكان سعر بطاقة الدخول 19 دولاراً ، وهي أغلى من ثمن الدخول إلى متحف اللوفر والتي ثمنها 9 يورو فقط ، وهذا يثبت بالأرقام أن رؤية بورتريت بوش الأب هي أغلى من رؤية لوحة الموناليزا نفسها !
لكني من جانب ثانٍ ومن فرط تعاطفي معه ، أقترح اسماً آخر للمعرض ، يليق بهذه الموهبة العظيمة ، والعنوان الذي أقترحه هو ( إن لم تستحِ فافعل ماشئت )، هذا العنوان سيكون مناسباً لمعرض صديقنا الموهوب جورج.
جورج بوش يرسم بدماء العراقيين معرضه الأول
[post-views]
نشر في: 25 إبريل, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...