تمنينا أن يغمرنا التفاؤل ونحن نتابع أنباء توقيع اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس، غير أن التجارب السابقة لمثل هكذا مصالحة انتهت دائماً بخيبة الأمل، حيث اتهام كل طرف للآخر بإفشال الاتفاق، " خمسة اتفاقات حتى الآن "خصوصاً وأن التوقيع جاء مفاجئاً بعد تعثر الاتفاق على الانتهاء من عدد من الملفات، أبرزها تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وخصوصاً أيضاً أن الاتفاق تم بدون أي ضمانات، فلسطينية كانت أو عربية، ما يخفض سقف التوقعات، ويترك الأمور رهن النوايا الحسنة، التي لا يمكن معرفتها إلا عند التطبيق.
بعض الدوائر الإسرائيلية تحمل واشنطن المسؤولية، بسبب تغاضيها عن ما تصفه بالإجراءات الأحادية للرئيس محمود عباس، في حين رأى آخرون أن الاتفاق ليس أكثر من خدعة، فالسلطة غير قادرة على التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لأنها تمثل أقلية، وحماس لا تحظى بالاعتراف بشرعيتها، وفي المقابل حمّل البعض حكومة نتنياهو المسؤولية عن عدم استغلال الاتفاق بإيجابية، وهي التي أبرمت مع حماس أكثر من اتفاق بعضها مكتوب، واتهمت عباس بعد تمثيله كل الفلسطينيين، وعليها اليوم إن كانت تتبنّى حل الدولتين أن ترى في الاتفاق فرصة وليس تهديداً، واعتبر آخرون أن حماس هي أبرز الرابحين، يليها نتنياهو القادر بعد الاتفاق على اتهام عباس بتبني الإرهاب والانصراف عن السلام، حيث سيكون مسؤولاً رسمياً عن كل صاروخ يخرج من قطاع غزة، أو عبوة تنفجر في إسرائيل والضفة الغربية.
يستند الاتفاق الأخير إلى اتفاقي الدوحة والقاهرة، لكنه يتميز بعدم مشاركة كل الفصائل الفلسطينية، ويركز كثيراً على تشكيل الحكومة، مثلما يتميز بعدم تمسك حماس برئاسة تلك الحكومة، وأنها قبلت الاتفاق مع إدراكها صعوبة تنفيذ الفقرة المتعلقة بالانتخابات بعد ستة أشهر من التشكيل، في ظل التعقيدات الإقليمية وهي اضطرت لتقديم هذه التنازلات، بسبب غياب قدرة التنظيم الأم " الإخوان المسلمين" على تقديم الدعم لها، مع عجزها عن توفير المال الكافي لإدارة حكومتها في غزة، مع رغبتها بتقديم ورقة للقاهرة بالحديث عن جهود الوساطة المصرية، منذ انقلابها على الشرعية قبل سبع سنوات، لتخفيف القبضة الأمنية للجيش المصري على الأنفاق بين غزة وسيناء، وفتح معبر رفح البري.
الرئيس عباس ناور بذكاء حين تفاوض وفده من المنظمة، وليس فتح وحدها، مع حماس الداخل بحضور موسى أبو مرزوق من قيادة الخارج، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن الاتفاق الأخير جاء بعد تعثر المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، وهو ما دفعه لاتخاذ مجموعة من القرارات التي كانت مؤجلة، بدأها بالتوجه للانضمام إلى نحو 15 منظمة دولية، ومن ثم دعوة وزراء الخارجية العرب في التاسع من نيسان الجاري، للحصول على الدعم المالي لضمان صمود السلطة في وجه العقوبات الإسرائيلية، وأخيراً اتفاق المصالحة مع حماس، التي اعتبرت أنه يصعب طي صفحة الانقسام، ما لم تقدم الدول العربية المال الكافي لمعالجة تبعاته، وهو أمر يبدو صعباً في ظل حالة الانقسام، حول ملفات الأزمة المصرية، والثورة السورية، والانشقاق الخليجي.
ليس أمام أي مخلص للقضية الفلسطينية، غير تمنّي النجاح، وإنجاز كل الملفات التي يؤمل إنجازها خلال أيام كما وعد الموقعان على الاتفاق، لا أن يظل حبراً على ورق، لا سيما أن التجارب السابقة لا تبعث على التفاؤل، وأن بوادر حسن النية لا تزال هشة، وتحتاج إلى المزيد الإجراءات لإثباتها على طريق الإنجاز الكامل، لدفن الانقسام في صفوف الشعب الفلسطيني، المحتاج أولاً وقبل كل شيء، إلى تمتين جبهته الداخلية في مواجهة الاحتلال.