اعتاد الأردنيون من حكوماتهم كلها، وكذلك من رأس السلطات وأي مسؤول في الدولة، وصولاً إلى معظم الصحفيين، سماع نغمة تتردد كلّما اشتكى واحد منهم من سلبية هنا أو هناك، من الطبيعي أن تقع في أي مجتمع أو دولة في هذا العالم، وتتحدث تلك النغمة المتكررة عن نعمة "الأمن والأمان"، التي يتنعم بها سكان مملكة الهاشميين، في إقليم يفتقد سكانه هذه النعمة، سواء في فلسطين أو العراق، ولاحقاً في مصر وسوريا ولبنان، وكانت هذه النغمة سلاحاً أشهرته الدولة في مواجهة الحراك الشعبي، الذي انطلق متأثراً بتداعيات الربيع العربي من جهة، ومستجيباً لطموحات بعض السياسيين الراغبين بشيء من التغيير، أو الطامحين للوصول إلى مواقع السلطة، وأبرز هؤلاء جماعة الإخوان المسلمين، التي ظنت لوهلة ان زمانها قد حان، قبل أن تتبين أن ظنها يقع في خانة الإثم، الذي ارتد عليها على شكل انقسام بات وشيكاً، على يد قياديين فيها تبنّوا خطاً وطنياً، يتمثل بضرورة حصر نشاط الجماعة في الجغرافيا الأردنية، بدل التنطح لمواقف من كل تطور في أي بلد يكون للتنظيم وجود فيه، سواء كان ذلك الوجود فاعلاً أو خاملاً.
هدأ الحراك الشعبي عقب المآلات السلبية له في مصر وتونس وليبيا وسوريا، وتمسك الأردنيون بنعمة الأمن والأمان، غير أن الأحداث تواترت لتكشف أن هذه النعمة لم تعد أكثر من كليشيه يخلو من أي مضمون، لم تكن البداية في معان الجنوبية المنسية والمهملة، والتي تحولت إلى بؤرة للجهاديين السلفيين، حيث تندلع الاشتباكات المسلحة بين بعض مواطنيها، وقوات الدرك التي عجزت حتى اللحظة عن تنفيذ خططها في اعتقال بعض المطلوبين أمنياً، حيث احتضنهم مجتمعها المحافظ ودافع عنهم، فقد كانت البدايات في الشمال المجاور لسوريا، وفيه ما يقرب من نصف مليون لاجئ، غيّروا طبيعة المجتمع وأخلاقياته، وليس بالضرورة أن يكون ذلك بالمعنى السلبي، وسواء في الجنوب أو الشمال أو في البؤر الخارجة على القانون في بعض التجمعات العشائرية، برزت نغمة جديدة تتبناها السلطة، وهي ضرورة فرض هيبة الدولة، وبمعنى اللجوء إلى القوة، بدل تبني مبدأ ضرورة فرض القانون، الذي يطالب كل مواطن بأن يخضع له الجميع ويقفوا أمامه سواسية.
بالتوازي مع ذلك يعيش الأردن حالة انفلات أمني غير مسبوقة، تتمثل باندلاع اشتباكات ذات طابع قبلي في كل جامعاته، وتزايد حالات خرق القانون، إذ كلما اعتقلت الدولة خارجاً على القانون، تلجأ قبيلته إلى قطع الطرق الدولية، ويرجع المجتمع إلى قوانينه العشائرية في الثأر متجاهلاً سلطة القانون، ويتحول الفساد إلى أصل التعامل بالمال العام، دون أن تتمكن هيئة مكافحته من كبح جماحه، لأن أبطاله دائماً من علية القوم، ولا تمر أيام إلاّ ونسمع عن حالة قتل دفاعاً عن الشرف، وغالباً ما يتبين لاحقاً أن الضحية بريئة ومظلومة، لكن الجاني عادة يفلت من العقاب، ومؤخراً توترت الأجواء في منطقة أعلنت فتاة فيها إسلامها فقتلها والدها، وانبرى دعاة الفتنة للمطالبة بدمها باعتبار أن نصرانياً قتل مسلمة، ولولا حكمة بعض رجال الدين المسيحي، لكنا نشهد حرباً بين أردنيين اعتادوا العيش بوئام وسلام، دون النظر لمعتقداتهم الدينية، كل هذا ولم نتحدث بعد عن حالات الفقر، التي دفعت البعض للبحث عن الغذاء في حاويات الزبالة، في حين لايتورع آخرون في نفس المجتمع عن إنفاق آلاف الدنانير على ملذاتهم في ليلة واحدة.
وبعد، هل تمتلك السلطة اليوم حق الحديث عن نعمة الأمن والأمان؟
أين هي نعمة الأمان؟
[post-views]
نشر في: 3 مايو, 2014: 09:01 م