الشعر والموسيقى شمسان تدوران في فلك واحد، كل منهما يحمل سماته ولكنهما في الجوهر يشتركان - الشعر هو الاستخراج الموسيقي النصي/الكلامي لمشاعر الإنسان، بينما تعمل الموسيقى على المستوى النغمي لاستخراج الدواخل البشرية - ليستمران في الدوران والإشعاع حول فلكهما بشكل كامل ومبهج، لا بد من ترك مسافة دقيقة بينهما، لصيانة الطاقة الإبداعية في كل منهما. المحافظة على هذه المسافة يتطلب وعي وخبرة وموهبة وإيمان، وهذا يتضمن فهما دقيقا للإيقاع المبطن والمعلن بين الكلمات والنغمات، ذائقة عالية مكتسبة من الخبرة والدراسة والموروث للتمييز بين الحدود الموسيقية في الإلقاء والعزف، وقناعة عالية في قدرة الشعر والموسيقى على رفع هذا الكوكب فوق قمم السلام المهيبة. 

أحمد مختار، الموسيقار العراقي وعازف العود، قام بتأليف وابتكار ما يعرف بالمحاكاة الشعرية حيث يوازن بين الموسيقى والشعر ويسمح بالتداخل الجمالي بينهما دون المساس باستقلالية كليهما، فهو الذي خاض تجارب عديدة مع الشعر، وقدم العديد من المؤلفات الموسيقية المستوحاة من وجود الإنسان والوطن والحنين والحضارات القديمة، والمبنية على تجربته الموسيقية العريقة المتوجة بفن المقام وعلوم الإيقاع، من مؤلفاته (سماعي غياب) من مقام الحجاز ، و (رقة الغجري) ، و (سماعي ألق) – بيات ، و (رقصة البدوي) و (أزقة بغداد)، و (محبة)، و (تجليات)، و (مقطوعة اسبانيا )، و (جنائن معلقة). تألق مختار مؤخراً حين قدم المحاكاة الشعرية في اختتام مهرجان بابل للثقافات العالمية، فقد ألف موسيقى لقصيدة عشتار التي نقلها من البابلية القديمة للإنجليزية عالم الآثار البروفيسور ريتشارد دمبرل، وقام بترجمتها إلى العربية مختار نفسه. صفق الجمهور طويلا لمختار، هذا العراقي المبدع الذي كلما توغل في غربته ازداد التصاقه بالعراق، فقد سافر عبر جذور وحضارات وطنه العريقة حاملا عوده وذائقته الشعرية الحساسة وانتماءه للوطن، ليحاكي الشعر بموسيقاه، راسما فلكا فذا فريدا وجميلا تدور فيه شمسا الشعر الموسيقى بتناغم منقطع النظير، لترى مختارا ومن خلال هتاف الجمهور يعانق العراق بحرارة وموسيقى. كرم مهرجان بابل مختارا بجائزة الإبداع مع مجموعة من المبدعين منهم عالم الآثار دمبرل و الممثل المصري أحمد ماهر ، و المثل العراقي عزيز خيون، و الممثلة العراقية آسيا كمال، والنحات نداء كاظم، و المخرج الشاب محمد الدراجي، والشاعر العراقي الكبير وابن مدينة الحلة موفق محمد. وفي احتفاء خاص ببغداد أقامه محبو وأصدقاء ماستر العود احمد مختار وحضرته أغلب وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ببغداد.