بالتأكيد كانت انتخابات الأربعاء الماضي الأكثر كلفة، مالياً، في تاريخ البلاد... كانت باذخة للغاية بالنسبة لبعض الكيانات، وبخاصة ذات النفوذ والحظوة في الحكومة والبرلمان .. ولا أظن ان العيون والعقول قد أخطأت في التقدير ان ترتيب هذه الكيانات، بحسب بذخها، يبدأ بدولة القانون وفروعه ثم المواطن وفروعه فالتيار الصدري وفروعه ومتحدون والوطنية (وأفترض ان القوى الكردستانية كذلك).
من أين لهذه الكيانات ومرشحيها كل هذه الأموال الطائلة؟ ولماذا يحرقونها؟ وما العوائد المتوقعة؟
بالتأكيد أيضاً أن هذه الثروة لم تُبدد كرمى لعيون الشعب العراقي ومن أجل منفعته، وتنافساً على خدمته، فدورتان برلمانيتان وولايتان حكوميتان لم تنتهيا بجلب الأمن والسلام والرخاء للعراقيين.. بل فشلتا حتى في ما هو أدنى وأقل أهمية من الأمن والسلام والرخاء، كمكافحة الفقر والبطالة وبناء المدارس والمستشفيات وتحسين الحصة التموينية كماً ونوعاً... بل فشلتا حتى في تنظيف الشوارع والساحات!!، وهل أسهل وأقل كلفة من التنظيف؟
معهد "سبر" للدراسات والبحوث الاستراتيجية في ألمانيا لاحظ أن الأموال المصروفة على الحملات الدعائية في الانتخابات الأخيرة كانت تكفي لإعادة إعمار اربع محافظات تعاني من التخلف والخراب الشديدين (طريق الشعب أمس). ووجد المركز أيضاً ان "الأموال المُنفقة على الدعاية الانتخابية جاء بعضها من موارد الدولة (المال العام) وشركات الاتصالات والشركات النفطية الاجنبية العاملة في العراق وشركات الاعمار والخدمات العامة وتجار ورجال أعمال".
وبعيداً عن معنى امتداد الأيدي إلى المال العام، فهذه ممارسة صارت روتينية، وبعيداً أيضاً عن دلالات تمويل شركات أجنبية ومحلية ورجال أعمال للكيانات المتنافسة والمرشحين وتأثير ذلك على مواقف هذه الكيانات وهؤلاء المرشحين في البرلمان والحكومة لاحقاً، فاللافت أكثر من غيره موقف المتفرج الذي اتخذته المفوضية العليا للانتخابات تجاه هذا الإنفاق الجائر (في حق الشعب العراقي) في الحملات الدعائية الانتخابية. لا يمكن لأحد أن يصدق أن المفوضية غافلة عن حقيقة ان الكيانات الكبيرة قد تجاوزت كثيراً الحدود المرسومة للإنفاق على الدعاية الانتخابية.
لن يكفي أن تقول المفوضية انه ليست لديها القدرات المالية والإدارية اللازمة لمتابعة ورصد الانتهاكات على هذا الصيد وغيره، فالمفوضية ملزمة بتنفيذ القوانين المؤطرة عملها والالتزام بما تضعه من أنظمة.. من واجب المفوضية، قبل أن تعلن قدرتها على إدارة الانتخابات، أن توفر لنفسها كل ما يُمكّنها من ضمان أن يجري كل شيء في حدود القانون، وألا يتجاوز الإنفاق على الحملات القانونية السقف الذي وضعته المفوضية نفسها، والا فأن المفوضية ترتضي لنفسها دور شاهد الزور حيال عدم التكافؤ وعدم العدالة في أهم وأخطر عملية سياسية – اجتماعية في حياة البلاد والشعب.. نظام الحملات الانتخابية واحد لا يتجزأ، ولا يُمكن التشدد في جوانب منه والتهاون في جوانب أخرى.. التهاون حيال تجاوز سقف الإنفاق على الحملة الانتخابية يشبه التزوير في المضمون وفي النتيجة.
من أين لهم هذا؟
[post-views]
نشر في: 4 مايو, 2014: 09:01 م