في الأيام الماضية وصلتني رسائل من قراء أعزاء.. الكثير منها يعتقد أصحابها ان الشعارات التي رفعت حول المواطنة وضرورة الابتعاد عن شبح الطائفية ، لم تلق صدى لدى الناخب الذي هرول لانتخاب قائمته "الطائفية"، فيما البعض الآخر يرى ان العلة ليست في السياسيين ، وإنما في المواطن الذي يصر دوما على الانقياد لأهواء ورغبات السياسي.. من بين هذه الرسائل رسالة لقارئ يقول فيها: "سألت جاري قبل الانتخابات هل بعد كل هذا الخراب والموت ننتخب نفس الوجوه؟ فأجابني بإصرار نعم ننتخبهم، سألته: لماذا قال إنهم من طائفتنا، فأيقنت أننا نستحقهم وهم يستحقوننا".
يدرك المواطن جيدا ان المسؤول لا يتذكر سوى نفسه ويضرب حوله سياجا دائريا من الحرس والعيون ولا يترك ثغرة في هذا الجدار العازل تدخل منها آراء الناس ومشاكلهم، منذ ايام السلاطين تعلم الحكام ان الشعب لا يؤتمن وان الناس حمقى في آرائها وأهوائها، والاهم حمقى في اختياراتها. يكتب الفرنسي جلين بليك في كتابه المجادلة مع الحمقى "ان للحمقى أيضا من يعجب بهم وهم الأكثر حماقة منهم"، وقديما خصص احد التقاة "ابن الجوزي" كتابا سرد فيه اخبار الحمقى والمغفلين وضع فيه وصفاً للحمق قال: " الحمق هو عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصد ، فالأحمق، سلوكه الطريق فاسد ورؤيته في الوصول إلى الغرض غير صحيحة".
اليوم يبدو أن مفهوم الحماقة بدأ يشمل الشعوب التي تسلم أمرها بيد سياسيين فاقدي الصلاحية والاهلية ويكفي أن نأخذ عينات من الحكومات التي مرت على هذا الشعب كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير إرادة الناس وسرقة المال العام والمحسوبية والرشوة، جعلت من المواطن المسكين لا يملك ارادته ويعيش على هامش الحياة .
المواطن العراقي وهو يعيش وسط أكوام الضياع وصحراء القهر والغبن وتحت سماء تتسع باطراد من بطالة وخوف وموت مجاني، ليس أمام الغالبية من سيئي الحظ، سوى الوقوع في ثقب الحماقة والطائفية مع ما يحمله من بلسم كاذب ووهم خادع لجنة موعودة كبديل عن إفلاس مشاريع الجنة الأرضية، جنة العدالة الاجتماعية والتنمية والتقدم التي وعدت بها أنظمة تسعى للاستيلاء على أي شيء وكل شيء.
ما معنى ان يدفعنا السياسيون في كل يوم نحو وطن لا يحده سوى اليأس والخراب، هل يدركون مدى اتساع الهوة بينهم وبين الناس.. بين من يملكون كل شيء والذين لم يعد لهم الحلم او حتى الأمل.. لا يمكن بناء وطن لا يؤمن اهله به ولا يثقون بغده، أو بغد أبنائهم.. وهذه الثقة لا يمنحها سوى سياسيين نزهاء وصالحين.
ظلت الناس تأمل بسياسيين يعلون مبدأ الحوار السلمي، شعارهم القانون أولا وأخيرا، لكنهم وجدوا أمامهم عقلية سياسية تتعامل مع الجميع باعتبارهم أعداء للوطن وعملاء للخارج، كانت الناس تأمل بسياسيين يخرجون البلاد من عصر الفساد والقمع إلى عصر الحريات؟ فوجدوا أمامهم ساسة ومسؤولين يريدون إعادة البلاد إلى زمن القرون الوسطى وعهود الظلام.
اليوم نشعر جميعاً أننا وسط حلبة مصارعة نتلقى فيها الضربة تلو الأخرى دون أن يلوح في الأفق أي تغيير في ميزان القوى لصالحنا؟ هل الحماقة أن نصمت وننعزل، أم الحماقة ان ندفع أعمارنا في الهتاف لسياسيين حمقى وأغبياء.. إنها محنة مواطن يعتقد للأسف أن حماقة الطائفية هي طوق النجاة الاخير، هل يدفعنا هذا الامر الى الياس ؟ بالتأكيد لا ، فسياتي يوم نجد فيه المواطن العراقي ومن خلال صناديق الاقتراع نفسها يعبر على جثة الاصطفاف الطائفي ، لانه سيدرك حتما ان التغييرالحقيقي الذي يستحقه لا يعنى تغيير السلطة ، أو وجوه الحاشية، أو استبدال جماعة طائفية، بأخرى اكثر طائفية.
التغيير ليس صناديق انتخابات فقط، بقدر ما هو تفكيك بنية استبدادية ترى في كرسي الحكم حقا شرعيا، وهذا لن يتم بمجرد تنظيف الواجهات ، بينما يبقى العفن يحتل أركان الوطن ، ويعيد إنتاج المستبد كل مرة بوجه جديد وبشعارات وخطب طائفية جديدة .
رسائل صناديق الانتخابات
[post-views]
نشر في: 4 مايو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
علي الربيعي
سيدي الفاضل حبي وتحياتي لكم ولجريدتكم الغراء سيدي انا الآن 65 عاما اعطيتها تقريبا لهذا الشعب والان وللأسف اقولها بمراره ان غالبيته مصابه بمرض اسمه الغباءوالتخلف المزمن والا ماذا تفسر فترة نظام صدام وهو يدخلهم ويخرجهم يوميا في كارثه دون تحرك والآن
رمزي الحيدر
ليس كل الشعوب تناضل من أجل وطن مزدهر وحياة رغيدة مكرمة ، و هذا ما برهنته الانتخابات الحالية ، صوت الشعب مرة أخرى الى الطائفية و الفشل والفساد والفاقة. بالرغم من وجود بدائل يمكنها أن تضمن للعراق مستقبل زاهر. الزبالة باقية !.
علي العيداني
نرجوا من الكاتب والقارئ الافق الرحب وان لا ينظر الى الامور من وجة نظر ضيقة لا تتعدى شعوره الشخصي