يوميا أتلقى عشرات الرسائل ممن يسألونني ما نفع الكتابة والاوضاع في البلاد تسير من سيئ الى اسوأ؟، ولانني مثل كثيرين من الزملاء يدركون جيدا ان الاعلام الحر يمثل هاجسا مقلقا لأي مسؤول حتى لو كان نزيها، فما بالك ونحن نعيش وسط غابة مليئة بالمسؤولين الفاسدين والفاشلين، الكثير منهم لم يتعود على الجدل والمناقشة، تربوا على فكرة السمع والطاعة، وبالتالي فمن المنطقي أن لا يبالوا بما نكتب فهم يطبقون مقولة ميكافيللي الشهيرة : " التاريخ علمنا ان الحاكم يصل إلى السلطة على أكتاف البسطاء... والباحثين عن فرصة للعيش " بالمقابل وللاسف هناك قطاعات مسلوبة الارادة تتعلق بذيل المستبد، بخطاباته، باناشيده الطائفية المنسالة من بين لسانه. هذا التعلق يغيب الوعى عن إدراك أن هذا المستبد هو المسؤول عن البؤس الذي يعيشه كل هؤلاء المواطنين. .هذه المسافة بين الوعي وغيابه تدفع إلى اختيارات ضد المصلحة العامة وتثبيتا لأوضاع تمنع هؤلاء الحالمين من عبور خطوط الفقر والبؤس وفقدان الامن والاستقرار ..
ماذا يفعل كاتب عمود مثلي للبعض ممن يجبرهم غياب الشحن الطائفي للتعلق باذيال " قائد ضرورة " أتذكر انني قرأت في السنوات الماضية رواية التركي اورهان باموق " الكتاب الأسود " ، وفيها يتحدث عن كاتب عمود يومي " جلال " يعاني من معاملة الناس له بصفته ليس شخصا عاديا ، بل الرجل الذي يعرف كل شيء لأنه يكتب عمودا يوميا.
في أجمل فصول الرواية يروي باموق عن لقاء يحدث بين جلال وثلاثة من كتاب الأعمدة الذين حققوا نجاحا أسطوريا في الصحافة التركية، وكان يجمعهم تاريخ طويل من العداء على صفحات الصحف، حيث سبق أن اتهموا بكل شيء بدءا من الإلحاد إلى الشيوعية إلى الأمركة إلى الردة ، في يوم لقائه بهم كانت الأضواء قد انحسرت عنهم ، بينما كان هو مقروءا أكثر ويتلقى رسائل أكثر من القراء، ، يومها قرر الكتاب الثلاثة أن يوجهوا له نصائح ينبغي عليه أن يستفيد منها في كتابة العمود،. عندما نقرأ النصائح التي أسداها الكتاب الثلاثة، ندرك أنها كانت حيلة روائية ذكية لتلخيص مزاج المواطن التركي المتقلب خلال فترة شديدة التقلب والخطورة في تاريخ تركيا الحديث، ولعلك عندما تقرأ تلك النصائح تجد تشابها كبيرا بين ذلك المزاج التركي وما نعيشه نحن هذه الأيام في العراق
جاء في نصائح الكتاب الثلاثة للسيد جلال ما يأتي: " ـ الكتابة من أجل متعة القراءة فقط تترك الكاتب في بحر مفتوح بدون بوصلة ، كاتب العمود ليس الحكيم إيسوب وليس مولانا الرومي، العبرة تستخلص دائما من القصة، ولا تستنتج القصة من العبرة. ـ لا تكتب بحسب ذكاء القارئ بل بحسب ذكائك. ـ لا تجلس إلى طاولة الكتابة قبل أن تجد جملتك الأولى. ـ اجعل قارئك يؤمن بأن هناك عقيدة صادقة لك.. ـ القارئ ناكر للجميل كقط. ـ يعرف أنه لا يمكن الوثوق بالكتاب الذين يحبون الكلاب. ـ اهتم بمسائل البلاد وليس بالقطط والكلاب. ـ ادخل في السجالات الكتابية ولكن عندما يمكنك إيلام خصمك. ـ ـ احذر من هذه الجمل التي تقول: " مهنتنا فيها إنكار للجميل ومقالاتنا تنسى بعد يومين " ـ لا تنس أن العالم كله عدونا. ـ هؤلاء قوم يحب باشاواته وطفولته وأمهاته كثيرا، أنت أيضا أحبها ـ ـ لا تنس أنك شيطان وملاك ودجال لأن القراء يملون من الطيب تماما والسيئ تماما. لا تنس أن عدم الفاهمين بقدر الفاهمين
هل تنفع نصائح باموق لكاتب عمود مثلي يرى ان البعض لايريد للعراق ان يعبر هذه الكيانات التي يسميها عشاقها أحزابا وكتلا سياسية... ويرقصون في طقوس عبادتها. من اجل العيش دولة يشعر فيها الفرد بالحرية والكرامة... لا يصطاده شرطي في سيطرة ليهينه ويتفنن في أذلاله.، ولايساومه نائب معتوه على احقيته في سكن وصحة وامان وتعليم ، ولايسعى للهتاف لنوري المالكي ليقبل بولاية ثالثة
انه طريق طويل حتما ... من الطبيعي أن يشهد خيبات وهزائم ، لأن مصارعة الفاشلين ليست بالامر الهين ، فكل طرف يهدد بحرق البلد، إذا لم يحكمنا ، أو إذا لم نرقص فرحا لأنه رضي أن يصبح مسؤولا عنا .
العمود اليومي ..والهتاف للمالكي
[post-views]
نشر في: 5 مايو, 2014: 09:01 م