اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > في أروقة ودهاليز المحاكم..حكايات ... وتوسلات ... وآهات ومحامون ينتظرون ربحاً ... آتٍيا

في أروقة ودهاليز المحاكم..حكايات ... وتوسلات ... وآهات ومحامون ينتظرون ربحاً ... آتٍيا

نشر في: 6 مايو, 2014: 09:01 م

لم تكن في ذهني أي فكرة تحقيق حين دخلت محكمة جنايات بغداد ، لكن المؤكد أن أي صحفي مهني حينما يدخل الى أروقة المحاكم لابد ان يخرج بتحقيق دسم. ممرات المحكمة وأروقتها كانت مليئة بالنساء وأطفالهن إضافة الى رجال كبار السن هم أيضا ينتظرون . لكن .. ينتظرون

لم تكن في ذهني أي فكرة تحقيق حين دخلت محكمة جنايات بغداد ، لكن المؤكد أن أي صحفي مهني حينما يدخل الى أروقة المحاكم لابد ان يخرج بتحقيق دسم.

ممرات المحكمة وأروقتها كانت مليئة بالنساء وأطفالهن إضافة الى رجال كبار السن هم أيضا ينتظرون .
لكن .. ينتظرون ماذا ؟ 
على هذا السؤال هناك أجوبة عــدة، فربما هؤلاء ينتظرون الدخول الى قاعة المحكمة والاستماع الى قرار القاضي ، وربما ينتظرون شاهداً ما يأتي لتقديم شهادته في إحدى القضايا ليتم الإفراج عن المتهم الذي لم تثبُت إدانته ، وربما هم ينتظرون تنازل المشتكي عن شكواه بعد التوسلات والتوسطات وبالتالي ليتم أيضا الإفراج عن المتهم .
أعترف .. إني في البدء بقيت صامتاً ولا أرغب بالتحدث الى أي من المراجعين او المراجعات لهذه المحكمة، بل بقيت أُراقب الوضع المأساوي للنساء خاصة وهن يذرفن الدموع الممزوجة بدموع أطفالهن الذين يتعالى صراخهم أيضا ولا يعرفون سبب مجيئهم الى هذا المكان المزدحم !
 
*عشر سنوات سجن
لفت انتباهي امرأة يحيط بها أربعة من أبنائها وهي تتوسل برجل أن يمهلها بعض الوقت لأجل تدبير المبلغ، وبالتالي يمكن لهذا الرجل التنازل عن دعواه التي فهمت بأنها تتعلق بمبلغ مالي كان زوج هذه المرأة قد استدانه من هذا الرجل لاستخدامه بالتجارة التي لا يعرف من دهاليزها وخفاياها شيئاً، لذا فإن هذا الرجل خسر تجارته وهو لم يبدأها بعد، وهنا طالبه الرجل بالمبلغ، وحينما عجز الرجل عن ارجاعه تم سجنه بعد تقديم الشكوى ضده، وبقية الحكاية معروفة حيث كانت تلك المرأة تتوسل بالرجل لأن يتنازل عن شكواه وهي ستقوم بتسديد المبلغ، إلا أن الرجل رفض ذلك وبينما انا استمع الى توسلات المرأة سمعت صوت المنادي وهو يطلب من الرجل والمرأة أن يدخلا الى قاعة المرافعة، وبعد كلام قليل قدمه الرجل ومع دموع المرأة وصراخ أطفالها كان قرار القاضي الذي حكم بعشر سنوات سجن على الرجل .
كان هذا قرار القاضي الذي يعتمد على نصوص قانونية ولا مجال هنا للرأفة او العاطفة، فالقاضي ملتزم بنصوص قانونية لا يمكن تجاهلها وهو ينطق بالحكم .
لكن السؤال .. ما مصير هذه المرأة ؟ وما مصير أطفالها الأربعة ؟ ومَن سيحميهم ؟ اسئلة كثيرة تدور في الذهن وليس لها جواب في المجتمع العراقي الذي شهد التفكك والفوضى.
*محكمة الأحوال الشخصية
كان لابد من الدخول الى محكمة أخرى مختصة بقضايا الطلاق والزواج وهنا يمكن ان نستمع الى حكايات أغرب من الخيال عن أفراح الزواج ومآسي الطلاق .
في محكمة أحوال الكرخ دخلت بحثاً عن ( صيد ثمين ) يمكنني من خلاله إكمال تحقيقي هذا، أروقة المحكمة هي الأخرى كانت مليئة بالرجال والنساء وشباب ومعهم شابات ينتظرون إكمال اجراءات عقد القـرَان وأخريات ينتظرن إجراءات الطلاق، أي تناقض هذا الذي يمكن أن نراه في أقسام هذه المحكمة ؟
وبما أن إجراءات عقد القرَان لا تحدث فيها مشاكل كثيرة، إذ يُفترض ان أهل العروسين حينما دخلوا أروقة هذه المحكمة يكونون قد اتفقوا على كل الاجراءات من تحديد موعد الزواج وكمية المهر والشهود وجميع المستمسكات المطلوبة لإكمال إجراءات عقد القرَان التي لا يشوبها اية مشكلة سوى مسألة نوع المذهب الذي يرغبان ان يتم عقد قرانهما عليه ، فاذا كان الخطيبان من مذهب واحد فلا اختلاف في هذه المسألة ، اما اذا كان الخطيبان من مذهبين مختلفين فربما يحدث نوع من الاختلاف خاصة اذا كان أهل الخطيبين كل منهما متعصباً لمذهبه!
*حالات الطلاق في ازدياد
لكن عموماً نستطيع القول إن هذه المسألة ليست بالمشكلة الكبيرة ، لذا رغبت ان أستمع الى حكايات الطلاق لأتعرف على سبب زيادة حالات الطلاق حيث علمت ان عدد حالات الطلاق في ازدياد مستمر اذ بلغت في عام 2012 نحو 60 ألف حالة مسجلة في المحاكم الرسمية فقط بعد ان كانت في عام 2004 نحو 28 ألف حالة علما ان هناك حالات طلاق تسجل في المكاتب الشرعية التي يديرها رجال الدين وهم يقومون بتسجيل عقد القرَان وحالات الطلاق خارج المحاكم الرسمية .
حين دخلت الى قاعة المرافعة استمعت الى حكايات غريبة عجيبة عن حالات الطلاق، فهذه امرأة تطلب الطلاق لأن عمتها تتدخل في حياتها وزوجها لا يستطيع رفض أي طلب لوالدته وهنا تحدث المشاكل بين ( العمـة والكنـَّة )، كما استمعت الى حالة طلاق اخرى تدل على التفكك الاجتماعي اذ كان هناك رجل عرفت انه عسكري يقضي أغلب وقته في وحدته العسكرية وفي ذات يوم أخبره ابنه بأنه غالبا ما يسمع والدته وهي تتحدث مع رجل لا يعرفه، وحينما واجه الرجل زوجته بما قاله ابنه أنكرت في البداية وحينما اخذ هاتفها تعرف على رقم غريب اراد الاتصال بالرقم إلا أنها رفضت فكان الطلاق بينهما، كما استمعت الى حالة طلاق ثالثة سببها ان الزوجة الثانية لا تتقبل ولا تتحمل اولاد زوجها من زوجته الاولى، فكان الطلاق بينهما حيث تحدث الرجل قائلا " بعد أن توفيت زوجتي تاركة لي ثلاثة أطفال ألح أهلي أن أتزوج امرأة أخرى فكان ذلك، إلا أني مع مرور الايام وجدت ان زوجتي الثانية لا تتقبل العيش مع أولادي وعبثاً حاولت إفهامها بأنها كانت تعرف ذلك قبل الزواج إلا ان كل محاولات الصلح بيننا انقطعت فكان الطلاق .
*دور الباحثة الاجتماعية 
وهنا نبهني هذا الرجل الى حالة كنت قد تعرفت عليها سابقاً وهي دور ( الباحثة الاجتماعية ) التي أعرف أنها موجودة في المحاكم لتحاول إجراء الصلح بين الزوجين قبل طلاقهما .
وحينما بحثت عن الباحثة الاجتماعية في هذه المحكمة قال لي المحامي ( كاظم محمد) نعم الباحثة الاجتماعية موجودة لكن أغلب حالات الطلاق يرفض المعنيون الصلح الذي قد تقوم به تلك الباحثة، هامساً لي عن قرب ... ثم أن الباحثة الاجتماعية (تقطع رزقنا ) فنحن هنا نتوكل عن الزوج او الزوجة لإكمال إجراءات الطلاق وبالتالي نقبض ثمن ( أتعابنا ) فلماذا تريد قطع رزقنا؟!
لكن ذلك لم يمنع من البحث عن أية باحثة اجتماعية لنتعرف على الأقل عن سبب ازدياد حالات الطلاق، وبعد بحث لم يدم طويلا التقيت بالباحثة الاجتماعية هناء عبد الله التي قالت "نعم حالات الطلاق في ازدياد مستمر لأسباب عــدة يقف في مقدمتها الوضع الاقتصادي المتردي نتيجة ارتفاع الاسعار الذي شمل السلع كافة، إضافة الى الوضع الاجتماعي الذي شهد هو الآخر تغيراً بعد عام 2003 ما أثر ذلك على التفكك الأُسري وبالتالي زيادة حالات الطلاق .
*دعوة لتوعية المواطنين
لكن ... مهلاً فالموضوع لم ينتهِ عند هذا الحــد ، كان لابد من البحث عن الحلول الناجعة لإيقاف هذا الازدياد المستمر في حالات الطلاق، ولأجل التعرف على ذلك لابد من لقاء المختصين بهذا المجال، لذا كان اللقاء بالدكتور أمجد أحمد أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب الذي قال عن حالات الطلاق المتزايدة " لا ننكر أن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي أثرا كثيرا على زيادة حالات الطلاق ، وهنا أدعو الى تفعيل دور الباحثة الاجتماعية التي يمكنها إجراء حالات الصلح بين الزوجين اذا قامت بعملها بالصورة الصحيحة فهي وحدها التي يمكنها تقديم تقرير للمحكمة تشير فيه الى إمكانية إجراء الصلح بين الزوجين، وبذلك يمكنها لعب دور ايجابي في هذه الحالة، لكن الذي نلاحظه هذه الايام أن دور الباحثة الاجتماعية مختفٍ تماماً، لذا أدعو الى تفعيل هذا الدور لإيقاف حالات الطلاق التي وصلت أرقامها الى شيء مخيف حقاً !
وأضاف الدكتور أمجد "أدعو أيضا وأتمنى أن يتدخل رجل الدين في هذه المسألة وذلك من خلال تثقيف الناس بأهمية الحياة الأُسرية وحثهم على معالجة المشاكل قبل تفاقمها، كما يقع على مؤسسات الدولة الدور الاكبر في إيقاف حالات الطلاق او تقليلها في أقل تقدير وذلك من خلال ايجاد فرص العمل للعاطلين وتوفير السكن الملائم للأُسرة العراقية إضافة الى توفير المشاريع التي تمكن الفرد من خلالها توفير العيش الكريم له ولعائلته، كما أدعو وزارة التربية الى أن تدخل ضمن مناهجها الدراسية درسأ عن الحياة الأُسرية للطلبة الذكور بدلا من مادة الأُسرية للطالبات فقط، ويعتمد درس الحياة الأُسرية توضيح أُسس الحياة الزوجية وكيفية تكوين الأسرة بدءاً من اختيار شريك الحياة وانتهاءً بكيفية الحفاظ على تلك الحياة الأُسرية .
*ثغــرات قانونية
لكني أعترف أيضا بأني لم اكتفِ بهذا القدر من المعلومات، لذا بحثت عن السند القانوني عن اسباب الطلاق وهنا كان لابد من اللقاء بالدكتور خالد هاشم أستاذ القانون في كلية القانون الذي قال "هناك ثغرات في قانون الاحوال الشخصية تسهم في تسريع الطلاق، فهناك المادة 39 من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 المعدل تنص على وجوب اقامة الدعوى في المحكمة لمن يريد الطلاق واستحصال حكم فيه، كما ان المادة (40) في القضاء العراقي تجيز لمن تضرر بتعذر استمرار الحياة الزوجية ان يطلب التفريق ، وبما ان البعض لا يمكنهم إثبات أنهم تعرضوا لضرر ما، لذا فهم يلجؤون الى المادة (41 ) التي تنص على جواز طلب التفريق من قبل أي من الطرفين عند قيام خلاف بينهما والزم الايقاع بالطلاق، مضيفاً ( وما اكثر الخلافات التي تحدث بين الزوجين ).
وعودة إلى بداية موضوعي حيث دخلت محكمة جنايات بغداد واستمعت الى حكاية المرأة التي حكم على زوجها بالسجن عشر سنوات لتبقى هي وأولادها يعيشون بلا معيل، إذاً السؤال: كيف تعيش هذه المرأة مع أطفالها بلا معيل ؟ وكيف تستطيع هذه المرأة مواجهة زوجها في السجن ؟ وما هي ظروفه؟
 
الإجابة على هذه الأسئلة ستكون محور موضوع آخر إن شاء الله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram