TOP

جريدة المدى > سينما > إسطنبول.. مدينة ليست للشعراء

إسطنبول.. مدينة ليست للشعراء

نشر في: 7 مايو, 2014: 09:01 م

تراجعت حدة التظاهرات في متنزَّه جيزي وساحة تقسيم في إسطنبول ولم تعد موضع اهتمام وسائل الإعلام الى درجة أوحى صمتها أن الانتفاضة السلمية التي انطلقت في حزيران (يونيو) الماضي انتهت وصارت جزءاً من التاريخ... لولا وجود قنوات تلفزيونية لا تستكين لظاهر المش

تراجعت حدة التظاهرات في متنزَّه جيزي وساحة تقسيم في إسطنبول ولم تعد موضع اهتمام وسائل الإعلام الى درجة أوحى صمتها أن الانتفاضة السلمية التي انطلقت في حزيران (يونيو) الماضي انتهت وصارت جزءاً من التاريخ... لولا وجود قنوات تلفزيونية لا تستكين لظاهر المشهد وتصر بعناد على معرفة ما يكمن خلفه. فما دفع الملايين للخروج الى الشوارع وتعريض أرواحهم للخطر لا يمكن أن يزول بالقوة مهما اشتدت، وأسبابه الدافعة تظل كامنة... وهذا ما حاول الوثائقي الاسكندنافي «الشعراء في إسطنبول» تدقيقه عبر قراءة «ثقافية» لمعنى متنزَّه جيزي وما الذي دفع الناس للتظاهر ضد قرار الحكومة التركية بإزالته وبناء مشاريع ومحال تجارية مكانه، وما سبب حماسة الشعراء والكتاب في تصدر التظاهرات؟
في المتنزه قالت الشاعرة والمدافعة عن بقائه بيلين أوزر للصحافي التركي كازار فاتمي الذي كلفته شركة التلفزيونيات الاسكندنافية «نورد فيشن» بإجراء مقابلات مع شعراء أتراك عن تجربتهم في الأحداث وما الذي يعنيه متنزَّه جيزي: «جيزي ملتقى لكل الأتراك الوافدين اليها من أنحاء البلاد المختلفة والمقيمين فيها. شعراء المدينة يلقون قصائدهم فيها ولزوارها حق أخذ ما يشاؤون من كتب مكتبتها المجانية. جيزي متنزه رائع وملتقى للأحبة ومنبر حر للتعبير عن الرأي، «في هذا العالم المختلف يصبح غير الممكن ممكناً».
العلاقة بين الشعراء والأدباء مع السلطة التركية، كما شخصها الوثائقي عبر مراجعة تاريخية لها لم تكن ودية، وتُهَم «إهانة الأمة» التي وجهت الى الروائي أورهان باموك الحائز جائزة نوبل عام 2006، بسبب موقفه الشجاع من إبادة الأرمن وحقوق الأكراد القومية، ليست سوى دليل بسيط عليها، اذ سبقتها اعتقالات طالت من الكتاب بسبب مواقفهم السياسية والاجتماعية من بين أشهرهم الشاعر ناظم حكمت الذي قضى قرابة 13 عاماً في السجون التركية ولم يسمح بطبع كتبه حتى عام 1965. عندها عرفه العالم شاعراً كبيراً سرعان ما ترجمت أعماله الى أكثر من خمسين لغة، واليوم تُمارس حكومة أوردغان وفق الشاعرة التركية السياسة المتشددة ذاتها ضد كل من يرفع صوته في وجهها، وترجمت أخيراً خوفها من الكتاب بإصدارها قانون «المادة 130» والذي بموجبه يمكن محاكمة كل كاتب لا ترضى عليه بتهمة «إهانة الهوية التركية».
أحد أسباب مشاركة الصحافيين والأدباء في احتجاجات حزيران (يونيو) الشعبية أن مساحة الحريات الشخصية والتعبير عن الرأي قد تقلصت في عهد أردوغان وحجبت قنوات حرة وتعرض رؤساء تحرير صحف غير ممولة من الدولة الى المضايقات، ما دفع لتوحيد مطالبهم مع مطالب فقراء المناطق المحيطة بالمتنزه وساحة تقسيم، كما جاء على لسان يوجال غوكتورك مؤسس صحيفة «أكسبريس» الشهرية والصامدة في وجه حصار السلطات. «كتبت طيلة عشرين عاماً عن القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع مثل، حقوق الإنسان والبيئة والفقر والتي هي نفسها اليوم تدفع الناس للتظاهر ضد الحكومة».
في جولة يأخذنا معه معد البرنامج الى «حزام الفقر» المحيط بمنطقة تقسيم وجيزي والذي خططت الحكومة لتهجير سكانه المعدومين من بيوتهم من أجل إعادة بنائها وبيعها ضمن مشروع تجاري كبير استهدف المنطقة القديمة كلها، ما دفع الناس للاحتجاج وفي غضون أيام قليلة وجدوا غالبية شباب ومثقفي المدينة يقفون معهم. لقد تحولت الاحتجاجات ضد إزالة متنزَّه جيزي والأحياء القديمة الى احتجاجات عامة ضد الأوضاع السيئة التي تعيشها غالبية الناس وضد استمرار المشاكل المعقدة من دون حل مثل القضية الكردية التي يقدمها الشاعر الكردي محمد سعيد أيدين، بقوله: «كثر من أصدقائي يقبعون في السجون والمعتقلات ليس لأنهم يكتبون أدباً لا يرضي الدولة فحسب، بل لأنهم أكراد أيضاً. لقد قتل أكثر من أربعين ألف كردي خلال القرن الماضي ولكن وللحق هناك من الأتراك من يعترف بحقوقهم ويقر بقوتهم».
وإذا كانت الهوية الكردية محفزاً قوياً لكتابته الشعر فجيزي بالنسبة اليه تشكل مكاناً لكل الناس بغض النظر عن مستوياتهم الطبقية والأثنية وفيها يمكن المرء رفع صوته عالياً مطالباً بالتغيير. من بين الاسئلة التي وجهها معد البرنامج لكل من التقى بهم «هل أنت خائف؟» فكانت أجوبة الشعراء والصحافيين كلها نفياً. فيما تجد غالبيتهم التجمعات والاحتجاجات العفوية، التي لم تعد تلتقطها كاميرات التلفزيونات، مؤشراً على ديمومة الحراك، فالأمر لم يحسم بعد وما بدأ لا يمكن له أن يتوقف ما دام الناس، من فقراء ومثقفين، قد اجتمعوا على كلمة واحدة: التغيير!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram