TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > المدينة في العراق والتقنيات الحديثة

المدينة في العراق والتقنيات الحديثة

نشر في: 9 مايو, 2014: 09:01 م

قد يتشعب الحديث عن التقنيات المستخدمة في هيكلة المدينة وصياغتها وتقديم الخدمات فيها إلى ما لا يمكن الإحاطة به. فلقد تطورت هذه التقنيات وتعددت الى مديات مذهلة وغدت المدن في تسابق لا حدود له في تبني حلول تقنية جديدة ومبتكرة لتحتفظ بها لذاتها للتعريف بن

قد يتشعب الحديث عن التقنيات المستخدمة في هيكلة المدينة وصياغتها وتقديم الخدمات فيها إلى ما لا يمكن الإحاطة به. فلقد تطورت هذه التقنيات وتعددت الى مديات مذهلة وغدت المدن في تسابق لا حدود له في تبني حلول تقنية جديدة ومبتكرة لتحتفظ بها لذاتها للتعريف بنفسها، أو لتتخذ من تصديرها وسيلة كي تحذو المدن الأخرى حذوها.
تتدرج هذه التقنيات بدء ً من الأنظمة الحضرية العملاقة كأنظمة النقل والحركة Transport & Circulation، والخدمات الصحيةSanitation ، وأنظمة الاتصالCommunication ، والتخطيط الحضري Urban Planning ، وتقنيات الاستدامةSustainability ، وتقنيات الطوارئEmergency ، وتقنيات انتاج الطاقةEnergy Producing ، وغيرها، ونزولا ً الى التقنيات الأقل مقياسا ً كأنظمة الإنشاءConstruction ، والتوزيع الحضريZoning ، وتقنيات السيطرة المناخيةClimate Control ، وتقنيات التسويقMarketing ، وتقنيات التعليمEducation ، والإدارةAdministration ، والزراعة الحضرية Urban Agriculture ، والصيرفةBanking ، وغيرها، ووصولا ً الى التقنيات المصغرة التي قد تنحصر في فعاليتها على الفرد الواحد كتقنية الاستدلالNavigation ، والإنترنت، والهاتف، وإشارات المرور، ولوحات التوضيحDisplaying ، وتقنية الحجز المختلفةBooking ، والبطاقات الإلكترونية ، والتسوق الشخصي Online Shopping ، والدراسة من بعدD-Learning ، وتوليد الطاقة المنزلية، وتدوير النفايات Recycling، والكثير غيرها.
لقد تم أدخال هذه التقنيات في العديد من المدن الحديثة بشكل واسع النطاق أدى الى تغيير شكل المدينة وهيكلها وأسلوب الحياة فيها الى حد بعيد مما حدى بالمخططين الى وضع مفاهيم ونظريات جديدة لها واستحداث مصطلحات تتفق مع هذه المفاهيم الجديدة فأطلق المفكر Rem Koolhaas عليها المدينة الشاملة Generic City ، وظهرت تسميات المدينة الكلّية Ubiquitous City ، والمدينة الذكية Smart City or Intelligent City والمدينة الرقميةDigital City والمدينة الشبكية Mesh City . والواضح أن القاسم المشترك بين هذه المفاهيم هو اعتماد التقنيات العالية في تشكيل المدينة وتسيير خدماتها وتيسيرها.
وبصورة عامة فان العلاقة بين المدينة والتقنيات تعتمد على قطبي هذه العلاقة، ولكن بشكل أساسي ايضا ً على سرعة التطور والتغيير في كل منهما. والملاحظ أن التقنيات امتلكت على الأغلب التسارع الأعلى في التطور ولم تملك المدينة سوى محاولة اللحاق ومواكبة هذا التطور. وقد كثف المخططون والمعماريون جهود حثيثة لبلوغ هذا، ومع كل ذلك مازالت التقنيات تمتلك على الأعم الأغلب المبادرة وظلت المدن تنوء بكواهلها المثقلة بالمشاكل الحضرية.
فما هو واقع العلاقة هذه في مدن العراق؟ وما هو حجم الفجوة بين تطور مدننا وبين التقنيات الداخلة اليها؟ وهل تملك مدن العراق في الوقت الحاضر مقومات النهوض لمواكبة تسارع التقنيات؟ وما هو واقع التقنيات في مدننا؟ من المؤكد دخول الكثير من التقنيات المصغرة للاستخدامات المحدودة والفردية، ولكن ما هو واقع التقنيات الكبرى في مدن العراق؟ تلك التقنيات التي باتت المدن عاجزة عن الحياة بدونها.
لقد عاشت مدن العراق عزلة ما يقارب النصف قرن بسبب سياسات الدكتاتورية التي اعتاشت على هذه العزلة، كانت قد قطعت فيها مدن العالم الأخرى أشواطا ً بعيدة في تطوير وتطويع هياكلها الحضرية لمواكبة الثورات التكنولوجية الهائلة التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية واعتماد سياسة الأسواق التجارية الجديدة New Global Markets والتي تفترض التقنيات المتطورة أساسا ً لها للمنافسة. وأن الصورة الخادعة التي تحاول بعض الأجهزة منحها لفترة الدكتاتورية وما أنجز فيها من عمليات بناء حضري وإدخال تقنيات هي صورة واهمة في مجملها، وأن ما أنجز في فترة الحكومة الملكية والجمهورية القصيرة الأمد السابقة لها أكثر بكثير، وأنها قد حصدت ثمار هذا الجهد لتوهم الآخرين بدورها في الزرع، ويا ليتها حافظت على الأقل القليل من هذه الثمار دون أن تفسدها.
وأن شهدت بعض مدن العراق أثناء تلك الفترة وخاصة المدن الكبرى كبغداد دخول بعض التقنيات الحديثة وفي حدود ضيقة فيما كانت تجبر الحكومة على إدخاله بحكم الواقع وبجهود بعض المؤسسات وغالبا ً بجهود فردية، فقد غرقت معظم المدن الأخرى في عزلة حالكة ما زالت تعاني منها ومن آثارها ولن يكون من اليسير الخروج منها. فلا يمكن العثور على إشارات لدخول تقنيات مدينية معاصرة لمدن بأكملها كواسط والعمارة والحلة والديوانية والسماوة ودهوك وديالى والرمادي والناصرية، وظلت هذه المدن تعتاش على هياكلها القديمة المتآكلة دون أن يدخلها شيء يستحق الذكر من التقنيات الحديثة المعاصرة. ولابد من التنويه هنا الى أن المقصود ليس هو التوسع الحجمي والأفقي الذي حدث في هذه المدن بحكم التزايد السكاني غير المسيطر عليه، وإنما دخول التقنيات الآنف ذكرها. كانت هذه مرحلة أولى لطبيعة هذه العلاقة بين المدينة والتقنيات.
ثم تبعتها مرحلة أخرى بدأت تتراجع فيها المدن العراقية وبدأت هياكلها الحضرية بالتآكل والانحلال ولم تعد لا مبانيها ولا شبكاتها الحضرية قادرة على الصمود بوجه عامل الزمن أو مواكبة التغيرات الكبيرة الحاصلة فيها، وأن كان قد دخلتها بعض التقنيات الحديثة من المقياس الثاني ولكن الفجوة بينهما أصبحت كبيرة الى حد لا يمكن معالجتها بسهولة أو في فترة زمنية مقبولة. وبعبارة أخرى فأن المدن بدل أن تطور هياكلها الحضرية لتواكب التقنيات التي دخلتها – برغم بساطتها – أنها بدأت بالتراجع والتأخر لتزداد الفجوة أتساعا.
أما المرحلة الثالثة التي بدأت المدن تعيشها فهي استمرار دخول هذه التقنيات المصغرة أليها وحصول هذه المدن على فرص النمو والتطور والتوسع وإمكاناتها ولكنه توسع في اتجاهات خاطئة وكأنها في عزلة جديدة عما تتجه اليه مدن العالم المعاصرة، اتجاهات من الواضح أنها ستوصلها الى مراحل معضلة ونتائج وخيمة وسيكون البحث عن حلول لها ضربا ً من العبث وهدرا ُ بينا ً لاقتصاد هذه المدن وإمكاناتها المتنوعة. ففي حين نبذت مدن العالم المتحضر أكثر مفاهيم العمارة الحديثة Modernism تمسكت بها مدننا بل أوغلت في تطبيقها، وحين حافظت مدن التاريخ القديم على مراكزها واتجهت للتوسع بطرق حذرة خارج حدود هذه المراكز ظلت مدننا تزيد الضغط عليها مما أثقل كواهلها وجعلها غير صالحة للسكن ودمّر بناها التاريخية، وفي حين اتجهت المدن الحديثة نحو الاستدامةSustainability والعودة الى الطبيعة ظلت مدننا توغل في خشونتها فتحولت الى ما يشبه الثكنات العسكرية أو مدن القرن الثامن عشر الصناعية.
فإذا كان هذا واقع المدن الحديثة في العالم المتحضر، وكان هذا واقع مدننا في العراق؟ وإذا وصفت تلك المدن المتسارعة في التطور وفي تبني التقنيات بالمدن الذكية، فبماذا توصف مدننا أذا ً ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram