هذه ليست مزحة ولا نكتة ابتكرتها بنفسي لغواية القراء لمتابعة قراءة هذا العمود ، لكنها مسألة حقيقية موجودة لمستها شخصياً . أنه الفن والابتكار والإحاطة بكل شيء بتفرد وعناية ورؤية خاصة ، فالجمال هو صناعة الفن وتقديمه من خلال أشياء موجودة وتبدو عابرة وعادية جداً في حياتنا . هنا نرى كم هي عجيبة بيوت الجمال وأقصد المتاحف ، وكم غريبة هي الأفكار الجديدة وغير المسبوقة . أقول دائماً أن البساطة هي سر الخلود ومفتاح البقاء في الفن . لكن هل يمكننا أن نذهب الى أبعد من ذلك ونجعل من شرب قدح شاي أعجوبة مثل هذه ؟ وهل يحتاج الأمرمتحفاً بالفعل ؟ نعم ، فكل ما حولنا يتحول الى أعجوبة في بلد مثل هولندا .
هذا ما تُحدثنا عنه قصة هذا المتحف الصغير والجميل في مقاطعة خروننغن شمال هولندا . وقد ابتدأت الحكاية ، حين أعلن مقدم البرامج يرون فان أنكل من خلال برنامجه الإذاعي ، مسابقة أعلن فيها عن تقديم جائزة مهمة ، هي عبارة عن كنيسة قديمة في قرية ( روتخرزايل ) ، هذه الكنيسة التي كانت مغلقة وغير مستعملة من قبل الأهالي . وكان على المتقدم أو المتسابق أن يدفع خلدناً واحداً فقط للحصول على ذلك ، وهو مبلغ يساوي 45 سنتاً بالنسبة الى اليورو ، وهو لا يكفي حتى لدفع تذكرة الباص !! تقدم الكثيرون للحصول على ذلك ، وبدأ الأشخاص الذين استهوتهم الفكرة بالتسابق لوضع موطئ قدم في هذه الكنيسة التاريخية الجميلة حتى وصلت المشاريع المتقدمة الى 80 فكرة ومشروعاً ، لكن المسألة ليست بهذه السهولة والبساطة . فقد كان شرط الحصول عليها هو تقديم شيء أو مشروع أو فكرة جديدة وغير مسبوقة يمكن من خلالها مجيء السياح والزوار من مختلف الأماكن الى هذه القرية الصغيرة المنسية ومنحها الحياة بطريقة جمالية . ومن بين الأعداد الهائلة من المتقدمين ، كان هناك تلميذان ظلّا يحلمان دائماً بتأسيس مزرعة لصناعة وشرب الشاي حين يكبران ، وقد سمعا عن طريق المصادفة بموضوع الكنيسة ، فتقدما بمشروع ( متحف الشاي ) ، وهو أمر لا يمكن أن تخطأه الروح الهولندية ولا لجنة التحكيم التي قبلت بالمشروع وأعلنت فوزه بسبب فرادته وغرابة فكرته . وهكذا مُنحت الكنيسة الى هاذين الشابين وتم تأسيس متحفهما الجميل والفريد من نوعه ، والذي تتعرف فيه على عالم الشاي والمراحل التي يمر بها ابتداء من أوراقه وهي خضراء ومروره بمراحل عديدة كي يصل الى القدح ، نعرف هنا أن كان يجفف فقط أم يمر بعمليات أخرى ، كذلك بإمكاننا أن نتعرف على طريقة شرب الشاي ، وهل يختلف في ذلك الياباني عن الأسترالي أو البريطاني والهولندي ؟ هنا في المخزن المخصص لبيع الشاي يمكنك أن تختار من 250 نوعاً ، ما يعجبك ويقترب من مذاقك ، ليس هذا فقط ، بل أن المتحف على استعداد لتقديم خدمات أكثر بحيث يوصل لك شايك المفضل الى بيتك في طرد بريدي خاص أن أحببت . وقد تم توسيع المتحف من خلال إضافة بناء جديد ليتسع المكان لعدد الوافدين الذين بدأوا بالازدياد مع الوقت مع ما يتلاءم مع الشهرة التي حققها هذا المكان الدافئ ، فقد وصل الزوار الى أعداد هائلة في الموسم الواحد أغلبهم من بلجيكا وألمانيا وطبعاً من هولندا أيضاً.
أستأذنكم الآن لأتمتع بقدح شاي خاص من متحف نادر وأنا أتطلع الى الزوار الذين يتقاطرون على المكان وهم يبدون أعجابهم بهذا النوع من الشاي أو تلك الخلطة التي تحمل نكهة محببة ، أتمتع بكل ذلك قبل أن أعود الى المرسم لأبدأ بلوحة جديدة ربما يكون موضوعها عن امرأة عذبة وهي تحتسي شاياً يليق بعذوبتها.
متحف لشرب الشاي فقط
[post-views]
نشر في: 9 مايو, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...