قال لي مبدع عراقي من الجيل السبعيني انه عاد الى العراق بعد طول غيبة ليقدم شيئا من إبداعه بعد ان توفر شرط الحرية الذي كان ينشده لكنه اصطدم بجدار روتين لم يشهد مثله في كل البلدان التي زارها ووجد في وزارة الثقافة مالايمت للثقافة بصلة فهي تسير على نظام ( كتابنا وكتابكم وتعال باجر وجاي من طرف فلان ) الذي يحافظ وبإصرار على تأخر البلد و( تخلفه ) في عملية تسيير العمل في دوائر الدولة، كما انها تقابل حماس المبدعين من العائدين بعد غياب والشباب من الجيل الجديد بعبارة ( ماكو فلوس ) التي تسبب للكبار أمراضاً مزمنة وللشباب إحباطا نفسيا ..لهذا اكتفى المبدع بإنجاز مشروعه الإبداعي بأقل التكاليف و(تلزيك) كما هو الحال في مشاريع كبيرة تجاوزت كلفة الإعلان عنها والتهليل لها، كلفة انجازها لأنها سارت على قاعدة ( التلزيك ) الملائمة جدا في عصر ملء الجيوب بالمال الحكومي وانفاق اقل مايمكن انفاقه على المشاريع الخدمية منها والثقافية ولاضير ان تكسرت أرصفة او تفتتت جدران بعد فترة قصيرة على انجازها فلربما ( الكاع عوجة ) أو( الرطوبة ) شديدة في العراق ...
في هذا العام الحافل الذي ابتدأ بأحداث سياسية ساخنة أولها أزمة الفلوجة وبعدها الانتخابات وماسيعقبها من مناورات وتسقيط سياسي وقضايا تمس صميم وحدة العراق وتلاحم أهله مرت بنا ايضا لحظات فرح حقيقية شعرنا فيها بحب جارف للعراق وأرضه التي تنتج الإبداع والمبدعين متناسين كل القضايا السياسية والمشاكل العالقة ..كانت تلك اللحظات هي التي تحقق لنا فيها نصر رياضي ثم نصر فني بفوز شاب عراقي بجائزة اجمل صوت ثم فوز افلام سينمائية عراقية بجوائز عربية قيمة واخيرا وليس آخرا فوز الروائي احمد السعداوي بجائزة البوكر الأدبية العالمية عدا الإنجازات العلمية والطبية والهندسية والصحفية التي تألق فيها اسم العراق لدرجة ان احد المحللين السياسيين العرب وصف الفرد العراقي بأنه عنقاء تخرج من الرماد لتحلق في الأعالي ..
يقال ان افضل الشعوب هي تلك التي تصنع العدل بالحكمة وتقوم الحكام بالعدل وتطفئ النيران قبل ان تكبر وترفع كبارها وتعلي شرفاءها ، وشعبنا أهل لذلك لولا الحكومات التي تعاقبت عليه وجعلته هشا سريع العطب فمنها حكومة أورثته خوفا متأصلا من رجال الدولة وأرضعته لبن الرضوخ للحاكم واعتباره إلهاً يمكن ان يمنح الحياة للمرء او يختطفها منه بلمحة بصر وحكومة اخرى ارتدت رداء الديمقراطية ونادت بها دون ان تمارسها بشكل حقيقي فغدا الرداء بشعا والكلمات مشوهة والديمقراطية محض شعارات ....! لهذا لم يجد الإبداع راعيا حقيقيا له فصار يعتمد على الأفراد وربما الجماعات اما الوزارات المعنية والجهات الحكومية المختصة فلاتحيد عن نظرية ( كتابنا وكتابكم ) و( روح وتعال باجر ) فضلا عن تفضيل الأقربين على المبدعين الحقيقيين ووضع الاشخاص غير المناسبين في المناصب المهمة ليخنقوا الإبداع في مهده ..
يراد للعراقي الذي يشبه العنقاء رغم ظروفه الصعبة ان يجد أرضا صالحة ورعاية حقيقية لإبداعه ومنجزاته وسيتألق دوما في مختلف المجالات عربيا وعالميا فلاشيء يمكن إبداعه من لاشيء ..
الكاع عوجه
[post-views]
نشر في: 9 مايو, 2014: 09:01 م