وفاة العلامة طه الراوي
في مثل هذا اليوم من عام 1946 توفي في بغداد الأستاذ العلامة طه الراوي ، أحد أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث وأحد بناة نهضته العلمية والأدبية والتربوية . وكانت مؤسسة المدى قد احتفت بذكراه في العام الماضي بإصدارها ملحقا خاصا وإقامة جلسة احتفالية به في مرفقها الثقافي ( بيت المدى ) . ولد طه بن صالح الفضيل الراوي في بلدة راوة (محافظة الأنبار - غربي العراق)، انتقل إلى بغداد حوالي عام 1910 - ودرس على علماء العصر: محمود شكري الآلوسي، ومحمد سعيد الدوري، ويحيى الوتري، وعباس حلمي القصاب، ثم التحق بدار المعلمين التي افتتحت عام 1917 فعين على إثر اجتيازها مديرًا لمدرسة بالمرحلة الابتدائية، ثم مدرسًا في مراحل أعلى، كما انتسب - في الوقت ذاته - إلى مدرسة الحقوق فتخرج فيها سنة 1925، ثم أصبح أستاذًا للآداب العربية وتاريخ الإسلام في دار المعلمين العالية، كما تولى التدريس في جامعة آل البيت، وقد شغل عدة مناصب إدارية فنية: مديرًا للمطبوعات في وزارة الداخلية (1926) - سكرتير مجلس الأعيان (1928) مديرًا عامًا للمعارف (1937). واختير عضوًا بالمجمع العلمي العربي بدمشق (1933) .وانتخب رئيسًا للجنة التأليف والترجمة والنشر بوزارة المعارف (1945). كان قد فقد إحدى عينيه في طفولته، فلم يفت هذا في عضده، وأقبل على الدرس والتحصيل والتأليف طوال حياته، كما كان رائدًا ومربيًا لأجيال من المبدعين والمفكرين.
له في كتاب: «طه الراوي: حياته، جوانب شخصيته، مختارات مما قيل فيه» - عدة قصائد ومقطوعات، وفي كتاب: «أعلام الأدب في العراق الحديث» - عدة قصائد ومقطوعات، فضلاً عن قصائد ومقطوعات مقترنة بأخباره مروية في دواوين شعراء عصره، منها: ديوان الرصافي، وديوان «اللهفات» للشاعر ناجي القشطيني.
و صدر له: ذكرى السويدي (يوسف السويدي) - أشرف على جمعه - بغداد 1930، وأبو العلاء في بغداد - بغداد 1944، وبغداد مدينة السلام - القاهرة 1945، وتاريخ علوم اللغة العربية (بمشاركة جميل سعيد) بغداد 1949، و نظرات في اللغة والنحو (صدر بعد وفاته) بيروت 1962، وله من أعماله المخطوطة: تفسير الجزء الأول من القرآن الكريم - تأريخ التفسير - أصول التفسير - تاريخ العرب والإسلام - تاريخ آداب العرب - رسائل دينية، وأدبية، وأخلاقية.
لم يشغل إبداع الشعر بؤرة اهتمامه، ولكنه كان يستجيب له حين تستجد دواعيه الاجتماعية الإخوانية غالبًا، أو السياسية الفكرية أحيانًا، وهو في جملته قليل، وتبدو فيه سماحة قائله وحرصه على مودة إخوانه ومداعبتهم، كما تبدو لماحيته وحضور بديهته، وله إسهام واضح في صنع الأناشيد والأشعار القصصية التربوية الموجهة .
إلى الناشئة بقصد التعليم والتهذيب. سألته إحدى الصحف المحلية في منتصف الأربعينات عن رسالته في الحياة .. فأجاب بالحرف الواحد: خدمة العلم حتى الموت.
لقد كان أقصى ما يتمناه أن يصبح عالما ،ولما بلغ هذه المرتبة السامية وضع علمه في خدمة الجيل ،وقد أدرك رحمه الله بفكره الثاقب أن العالم الحقيقي إنما يتمتع بقيمة ثابتة وأن المناصب لا تزيد هذه القيمة وإنما قد تنقص عنها .. ولهذا قصر طموحه على الاستزادة من العلم والمضي في خدمة جيله بعلمه ولم يكن يشعر بالغبن لأنه هو الذي اختار مهنة التدريس وآثر حياة التعليم على غيرها.