كتاب " البهجة السرية" أنطولوجيا الشعر الكردي في غرب كردستان، ترجمة وإعداد وتقديم لقمان محمود، طبع دار سردم 2013، كردستان السليمانية، ضمن سلسلة الكتب العربية لدار سردم للطباعة والنشر، كتاب رقم (55). يستهل معدّ الكتاب الشاعر لقمان محمود باستعراض تفصيلي
كتاب " البهجة السرية" أنطولوجيا الشعر الكردي في غرب كردستان، ترجمة وإعداد وتقديم لقمان محمود، طبع دار سردم 2013، كردستان السليمانية، ضمن سلسلة الكتب العربية لدار سردم للطباعة والنشر، كتاب رقم (55). يستهل معدّ الكتاب الشاعر لقمان محمود باستعراض تفصيلي لمراحل الشعر الكردي في غرب كردستان ومدارسها الفنية. ويبدأ بتعريف موجز للشعر حيث يمنحه الضرورة والخلود والأمل. ويؤكد على أن الشعر الكردي عبّر في بروزه بشكل كبير عن الجمال والعاطفة، والمعاني السامية الكبيرة والمعاني القومية، ودرس الحب والوطن والذكريات والانتظار والشوق والحرية.
ويضيف لقمان "سأبدأ بالشعر لأنتهي فيه طالما عاشت القصيدة الكردية طيلة قرناً من الزمان كلون أدبي ثابت، حيث لبت هذه القصيدة متطلبات الوازع السياسي منصاعة لمقولة الالتزام وما يترتب عليها من دور أخلاقي وتاريخي، لتسهم في دعم حركة الإنسان الكردي التحررية وفي بناء حاضره ومستقبله". ويؤكد لعب دور الشعر الكردي الكلاسيكي الدور البارز في حياة الإنسان الكردي السوري بشكل خاص. ويؤكد الشاعر لقمان محمود في كتابه هذا على أنه أعطى الملامح الواضحة عن الشعر الكردي "منذ بداياته المتمثلة بتجارب ورموز شعرية أسست للشعر الكردي". مؤكداً هنا أنه اختار أكثر من شاعر وشاعرة.
ويصرح لقمان هنا بقول كبير: "يمكن القول بأن الأمة الكردية أمة تراجيدية بامتياز". ويوضح هنا تفصيلات فنية تعالقت بها القصيدة الكردية حيث يقول: "لذلك بدت القصيدة الكردية في سعيها الحثيث نحو معرفة الواقع واختبار جوهره الثري، وكأنها مشغولة بانفتاح النص الأدبي على محيطه الاجتماعي وأفقه السياسي والثقافي، كل ذلك من أجل الانتصار للوطن وإبراز أهميته في حياة الكرد في تفاعلها مع الوجود. وبما أن الشعر، كان وزال، يمثل أحد أنقى أشكال التعبير عن حرية اللغة، فهو عنصر ملون لهوية الشعوب والأمم". ثم ينتقل الشاعر لقمان محمود إلى إبراز عدد من التجارب الشعرية المهمة البارزة. ويبدأ الشاعر "جكر خوين" وهو يستعرض قصيدته الحماسية، كما يقول، وهي: (مَن أنا؟)، هذه القصيدة التي لا تزال "توقد الحماس في الشدائد والمحن". يدخل الشاعر لقمان محمود إلى عمق تجربة الشاعر جكر خوين محللاً آليات اشتغاله الشعري ومرجعيات أفكاره وتوظيفها كبنيات نصية، يقول لقمان: "يستوحي جكر خوين الشعر هنا من واقعية الحياة الكردية وصميم تراثها القومي، ومفارقات الظروف والحالات الدائرة، ويستلهم الإنسان ومطامحه وأفكاره، مصوراً المشاعر الوطنية والبطولات الخالدة معبراً عن الخلجات الوجدانية والعواطف البشرية".
ويحلل الشاعر لقمان محمود طريقة كتابة الشعر في تجربة الشاعر جكر خوين تحليلاً جمالياً عالياً في رؤيته الفنية والتحليلية مؤكداً على استثماره للغة وحرصه على المستوى الاستبدالي للكلمات. ويؤكد لقمان هنا بأن جكر خوين يبقى شاعر كردستان جزءً من الروح الوطنية ورمزاً للروح القومية الكردستانية وعماداً من أعمدة ثقافتها. ثم ينتقل إلى الخوض في تجربة ثانية وهي تجربة الشاعر سليم بركات، حيث يؤكد هنا على أن "سليم بركات استطاع أن يمتحن فيه قدرته على تعلم الكردية "مع دجاجات أمه" (كما يقول)". يبقى نص سليم نصاً استثنائياً لا يشبه أي نص آخر ولا ينتمي إلى أية مدرسة أدبية، سوى مدرسة الشاعر الذي اتخذ من اللغة وطناً، وراح يوسع بالمفردات فضاء هذا الوطن، كي يستوعب جنونه ونزقه وحكمته وحنينه وهمومه التي لا يبوح بها إلاّ بوصفها سرباً من الكلمات يتقافز كالغزلان في براري الشاعر القصية ويتوغل الشاعر لقمان محمود في قراءته العميقة لمشهد سليم بركات محللاً طريقة كتابته الشعرية بقوله: "لقد بحث سليم بركات ويبحث باستمرار عما يحقق له قولاً فنياً، يعكس وعي اللاشعور المناسب مع السياق المكاني المشحون بالإيحاء الرمزي الشفيف، كتشكيك في عمق الكلام المباشر للوصول إلى عناصر ذات صلة وثيقة باللغة من خلال الحلم الذي يعيد أطراف الحقيقة الشمال إلى مصدر واحد من حيث الماهية والإحساس". ويخلص القول في خاتمة قراءته لتجربة سليم بركات بقوله: "فالمشهد الشعري الكردي في سوريا يحفل بالعديد من الأسماء التي تعاملت مع قصيدة سليم بركات بحساسية التقليد وقد أفرزت هذه القصيدة خلال أربعة عقود خصائص القصي البركانية وتقنياتها وأساليبها التعبيرية دون أن تكتسب نبرتها الخاصة".
يتطرق الشاعر لقمان محمود إلى أقوال عدد من الشعراء البارزين من خارطة الشعر العربي، معززاً لذلك حديثه عن تجارب شعرية كردية رائدة منها تجربة الشاعر شيركوبيكس، وهؤلاء الشعراء هم: محمود درويش وأدونيس وسعدي يوسف. وأحاديث هؤلاء عن تجربة سليم بركات وشهاداتهم عنه حيث يؤكد درويش هنا على أن سليم بشّر بشعر جديد مختلف.. ثم ينتقل الشاعر لقمان محمود إلى الإسهاب في الحديث عن تجربة شيركوبيكس التي يقول عنها "يعتبر الشاعر شيركوبيكس حالة أدبية إبداعية فذّة لا مثيل لها، ويصعب تكرارها ولا مهرب من الاعتراف به في عصرنا الحديث كظاهرة شعرية (مدرسة شعرية) من الطراز الرفيع النادر". ويؤكد لقمان محللاً شعر شيركوبيكس بقوله: "الشعر عند هذا الشاعر يحاكي الرعب الوجودي عبر ذاكرة جمعية قادرة على التعرف على الحقائق وما يميز تجربة هذا الشاعر العظيم هو ذلك التفاعل الملموس مع التاريخ من خلال خلق الصور الذهنية للفكرة والابتعاد عن الأفكار المتداولة بغية إنتاج أفكار مغايرة وقف لحظتها الراهنة لخلق درجة من التوتر التاريخي".
في تجربة الشاعر شيركوبيكس يجد القارئ كل أشكال التعبير الشعري من الملحمة حتى قصيدة اللمحة السريعة ومن الأسطورة حتى الغناء البسيط ومن الغرابة السوريالية حتى المشهدية السردية والحكائية.
وفي خاتمة مقدمته يقول الشاعر لقمان محمود عن الشعر الكردي أو القصيدة الكردية بأنها "كشفت عن فعالية عاطفية تحول فيها الشعر إلى معنى إنساني وجمالي. وقد وجه الشاعر الكردي في سوريا تعبيراً جديراً عن موقفه الجديد في مصطلح قصيدة "الومضة" الذي صار عنوانها لحركة شعرية ساهم شيركوبيكس بحماسة في تهيئة الأرض الخصبة لهذه القصيدة. أصبحت كتابة الشعر "البهجة السرية" عمل إنساني عظيم في محتوياته، وهو جزء من هذا التراكم الهائل من البشع التاريخي التي مرت بها الذاكرة الكردية والمجتمع الكردي معاً. تحية إعجاب لمعد ومترجم ومقدم الكتاب الشاعر الخلاق لقمان محمود ,,وقد تضمن الكتاب تجارب شعرية مختلفة ومتنوعة من مختلف الأجيال الشعرية الكردية غرب كردستان إبتداء بأحمد نامي واحمد حسيني وابراهيم اليوسف وابراهيم محمود وابراهيم حسو وغيرهم حتى جيل الشباب ومنهم فتح الله حسيني وغمكين مراد وعبد الرحمن عفيف وعارف حمزة وغيرهم...