معظم العراقيين يعرفون "سجل المذنبين" ولكل واحد منهم قصة مع هذا السجل العتيد في سنوات أداء الخدمة العسكرية ، والسجل يكون عادة بحوزة رأس عرفاء الوحدة ، يضم أسماء الجنود والمراتب مرتكبي الذنوب ، وتتمثل بالغياب ، والتأخر عن الحضور الى "ساحة العرضات " ، وترك واجب الحراسة الليلية والذهاب الى اقرب مكان للنوم ، فضلا عن المشاجرات ، ورفض تنفيذ أوامر عريف الفصيل .
ولتقديم المذنبين أمام امر الوحدة ليصدر قراراته بحقهم، سياقات ثابتة معتمدة في كل الوحدات العسكرية ، تبدأ بجمع المخالفين ، ثم السير نحو المقر ، وقبل الدخول يخلع المذنبون أغطية الرأس والنطاق اي الحزام ، وبسماع مفردة" احترم " يقف المذنب بحالة استعداد أمام الآمر وبصوت مرتفع يذكر اسمه وصنفه ، وبدوره يعلن النائب ضابط حامل سجل المذنبين نوع المخالفة ، وعادة ما تكون العقوبة "زيان صفر" والسجن عدة أيام ، وبعد اصدار العقوبات على الجميع يتوجه "الرهط "الى سجن الوحدة ، وفي اليوم التالي يكلفون بتنظيف المرافق الصحية في المعسكر لحين انتهاء أيام السجن ثم العودة الى التدريب وأداء الواجبات .
"سجل المذنبين" يعد واحدا من الإجراءات الانضباطية للحفاظ على النظام في كل جيوش العالم في حالات السلم، وفي الحروب تتضاعف العقوبات وقد تصل الى الإعدام رميا بالرصاص ، بتهمة الخيانة العظمى والتمرد ، وتهديد الأمن القومي ، وبعد الغاء نظام الخدمة الإلزامية في العراق ، وحل الجيش السابق ، ما عاد "سجل المذنبين" يثير الرعب لدى الجنود والمراتب ، واقتصرت العقوبات على قطع الراتب ، واسدل الستار نهائيا على عقوبة" زيان الصفر" وأصبحت جزء من التراث الشعبي .
انتهاء عمر الدورة التشريعية وقرب توديع البرلمان الحالي ، وولادة اخر ، عوامل حفزت ذاكرة بعض العراقيين لاستعادة "سجل المذنبين " وتفعيل دوره خارج المؤسسة العسكرية ، بمحاسبة المسؤولين السابقين ، وحتى السياسيين ، لوقوفهم وراء إعادة العراق خلال السنوات الماضية الى العصور الحجرية ، ومجلس النواب بوصفه جهة رقابية وتشريعية ، فشل في اداء واجباته ، ومعظم اعضائه ، كانوا خاضعين لرؤساء كتلهم فحملوا رسالة الدفاع عن الحكومة ، وحافظوا على تمثيل شعبهم بأساليبهم الخاصة ، ومنهم من سيجدد ولايته ، ليعرقل عملية استجواب المتورطين بنهب المال واستغلال المنصب لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية ، البرلمان الجديد لن يختلف عن سابقه ، ومن يعتقد بان "سجل المذنبين " سيسهم في بناء دولة القانون والمؤسسات ،يحتاج الى حركة إصلاح سياسية ، وقضائية ، ومن المستبعد في الظروف الراهنة الفصل بين السلطات في العراق ، لان العملية السياسية اتخذت منعطفات متعددة ، واصبح المذنب صاحب قرار ، يمتلك صلاحية معاقبة الأبرياء بتهمة رفع أصواتهم المطالبة بحقوقهم .
اعتماد "سجل المذنبين" ربما يكون ورقة ضغط شعبية لمعاقبة الأفراد والجهات والمؤسسات لفشلها طيلة السنوات الماضية في بناء الدولة ، والانشغال في صراعات وخلافات سياسية فتحولت البلاد الى ساحة زورخانة .
سجل المذنبين
[post-views]
نشر في: 11 مايو, 2014: 09:01 م