زهيرالجبوري عندما نقف لقراءة النص الإبداعي المطل على الثقافات العالمية الأخرى ، فإن ذلك يفتح لنا منافذ الترجمة والتعرف على خصائصها الفنية ، وحين نغور قليلا للتعرف على هذا الفن الدقيق ، يجب علينا ان نقترب من أصحاب الشأن ممن لهم الخبرة والدراية الكافية
زهيرالجبوري
عندما نقف لقراءة النص الإبداعي المطل على الثقافات العالمية الأخرى ، فإن ذلك يفتح لنا منافذ الترجمة والتعرف على خصائصها الفنية ، وحين نغور قليلا للتعرف على هذا الفن الدقيق ، يجب علينا ان نقترب من أصحاب الشأن ممن لهم الخبرة والدراية الكافية في ذلك ، ولعل الاستاذ الدكتور عبد الواحد محمد واحد من أهم الأسماء العراقية التي مارست فن الترجمة منذ عقود ، فمنذ سبعينات القرن الماضي استطاع ان يقدم مطبوعات ثقافية في الفن والأدب ، ثم اختص بالجانب الأدبي بشكل راكز ، ولحد يومنا هذا ، كما عمل في الجانب الاكاديمي في جامعة بغداد / قسم اللغة الانكليزية ودرّس العديد من الأسماء المهمة في الساحة العراقية ، او الأسماء التي مارست فن الترجمة ، ولأن الحديث معه يفتح لنا متعة التعرف عن اشتغاله في الترجمة ، استوقفناه في جلسة حوارية :
* ثمّة هوة بين النص الأصلي والنص المترجم ، اشار اليها (غادامير ) معبرا عن مهارة المترجم في ردمها ، الى اي مدى يمكن ان نقدم نصا بأسلوبية عالية من وجهت نظرك ..؟
ـ في النقد الترجمي هناك من يقرأ ولم يعرف اللّغة الأخرى ، فيعطي رأياً انطباعياً ، جلّ اعتماده يكون على النص العربي .. في موضوع النقد الترجمي لابد من ناقد يطلع على النص المصدر ، وبعد ان يفحصه ويتعرف عليه ، يعود مرة ثانية ويبدأ بتدقيق كل كلمة عربية او كل جملة عربية من جذورها وأصولها ،ويلاحظ ان تصرف المترجم في بعض الأحيان يحدث هُوّات عديدة ، يكون حكمه النقدي على النص خاضعاً لدراسة النص الأصلي ، وهي مسألة ضرورية ، لأن فيها حساسية كبيرة ، حينها يكون النص المترجم إما في غاية الدقة والمهارة والانضباط ، وإما عكس ذلك ، هنا تكون حكمة المترجم وقدرته على ردم الهوة التي اشار اليها الفيلسوف غادامير..
* هل هناك اكتشافات يستطيع المترجم ابتكارها بين لغته الأم واللّغة الأخرى ، بمعنى وجود رؤى ابتكارية جديدة فيه..؟
ـ الترجمة إعادة كتابة ، بمعنى انك تكتب نصاً جديداً اذا كنت متطرفاً جداً في عملية الكتابة بين الطرفين ، وأعني الأصل وغيره .. الآن تبرر بأن النص الاصلي هو ايضاً اعادة نص كتابي ، وهي عملية تناص وإعادة جمل كتابية قد قيلت ، فيها من الدقة والتعبير المهاري مالم يوجد عند آخر يمارس الاختصاص نفسه ، فاللّغة النحوية ومهارة الاشتغال البلاغي حين يتمتع بهما المترجم يصبح بشكل او بآخر خالقا لنص كبير ، بل ويكون في غاية من الصياغة والبناء..
* عفواً دكتور ، هل يوجد عندنا ذلك في البلد..؟
ـ بكل تأكيد ، فقد اطلعت على العديد من البحوث والكتب والمقالات المترجمة وقارنت بين المصدر الأصلي والمترجم ، فوجدت ما يفرح ، وهذا دليل قاطع على ان الذهنية العراقية ليست ادائية في إقامة عملها الوظيفي في هذا المجال فحسب ، انما لديها ابتكارات في غاية من الروعة ، لذلك اقول نعم ، وقد استمتعت كثيراً بترجماتٍ لأسماء سبق ان أشرفت على تدريسها ، هم الآن فتحوا كشوفات في الترجمة..
* هناك نص ادبي نقرأ تفاصيله من خلال الترجمة ، الى اي مدى يمكن ان تكون فيه كشوفات لغوية مقاربة من حيث بناءاتها ..؟
ـ سأتحدث معك عن الشعر في الأدب وأقول : ان الشعر العربي يقف على تفعيلات ، هذه التفعيلات معروفة لدى أغلب من يكتب الشعر او يقرأه ، وايضاً في الشعر الانكليزي هناك تفعيلات موجودة ، مع وجود نصوص نثرية غنية بلغتها ، كما أتذكر ان هناك شاعرا روسيا استطاع ان يقف على مقاربة بين الأدب الروسي والأدب العربي ، والشاعر عندما يقف عند قافية يعود ليبني عليها ، فالمعنى هو السمة المقاربة لك ما تقصده انت ، المهم لدينا ان نعي وظيفة الشعر وغايته الاسمى من خلال المعنى ، وبعدها نناقش الأشكال الفنية ، ككل هناك لغة عند الآخر من اي جنس عالمي له خصائصه ولغته ومخيلته ، ولنا نحن العرب مثيل لذلك .
* هل واجهت ذات يوم مشكلة في فن الترجمة..؟
ـ هذا سؤال يبدو للوهلة الاولى سلساً ، لكنه جوهري ، وأشكرك عليه ، نعم حصلت مرات عديدة لكنها قليلة ، حيث واجهت بعض الكلمات التي لا أصل لها في اللّغة العربية ، غير انها منتمية الى اللّغة الانكليزية والفرنسية ، وهذه الكلمات تعطي مفارقات جوهرية دقيقة جدا ، حينها فتحت قواميس للغاتٍ اخرى مناظرة لها حتى وجدتها وتمكنت منها ، فبالرغم من الجهد والمشقة الاّ اني شعرت بمهمتي الحذرة وخطورة ما أقوم به من وظيفة ثقافية بحتة ، وأعني بثقافية انك حين تبحث عن شيء ، تتطلع على تفاصيل مرافقة اخرى ، هي مفيدة جداً.