فجرت جماعة بوكو حرام قضية شائكة، باختطافها عشرات الطالبات من مدرستهن في نيجيريا، والادعاء بأن خطفهن وعرضهن للبيع كسبايا وجواري لا يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية، مع أن جوهر الاسلام هو التسامح والوسطية والتعايش، غير أن "أولاد الحرام" ينطلقون من أساس رفض اندماج المسلمين في مجتمعاتهم، كمواطنين متساوين مع أبناء بلدانهم في الحقوق والواجبات، وهم يستغلون ببشاعة المشاكل التي يعاني منها المسلمون في بعض البلدان، التي لم تتمكن بعد من التخلص من الموروث الاستعماري، وتأثيراته السلبية على أوضاع المسلمين من تمييز اقتصادي واجتماعي ضدهم في أوطانهم، فيرفعون شعاراً بائساً مغرقاً في العدوانية والضلال، هو رفض الثقافة الغربية باعتبارها نقيضاً للشريعة الإسلامية.
ذلك كان نهج وفكر تنظيم القاعدة التي رفعت الشعار وتبنته في أفغانستان، فخاضت حرباً شرسة دموية ضد حق المرأة في التعليم، وكفّرت كل من يتواصلون مع الثقافة الغربية والعالمية، وعلى نفس طريق الهاوية تسير داعش، وهي ترتكب الجرائم بحق من تدعي الدفاع عنهم في سوريا والعراق، بينما "تجاهد" فيهم قطعاً للرؤوس والأيدي، وجلداً وصلباً وحرماناً من حقوقهم الإنسانية، بعيدا عن "لا إكراه في الدين"، ويستقطبون لتنفيذ جرائمهم الشباب المضللين وخصوصاً الطلبة، تلك كانت تجربة طالبان الأفغانية التي ولدت ونمت في أحضان المخابرات الأميركية، التي وفرت لها سبل الدعم المادي من المتشددين الأثرياء في العالم الإسلامي، الذين ينفقون أموالهم التي هبطت عليهم فجأة وبالصدفة، وعن جهل مطبق "نصرة للمجاهدين في سبيل الله".
عملية اختطاف الطالبات النيجيريات، وهي تخلو تماماً من قيم الشجاعة والرجولة والشرف، دفعت واشنطن وهي تزعم أنها المدافع الأول عن حقوق الإنسان، لإبداء استعدادها "رغبتها" بالتدخل لإنقاذ الطالبات المختطفات، وهي رغبة تجد صداها السلبي عند النيجيريين، الذين يعتبرون نشر قوات أميركية في بلادهم استعماراً ناعماً يتحقق من الباب الخلفي، بينما تؤيد السلطة الحاكمة هذا التدخل الذي وصفه وزير الخارجية الأميركي، بأنه التزام كلي بإعطاء كل الدعم اللازم، والمساعدة لإنقاذ الفتيات المختطفات، ووضع حد للإرهاب الذي اجتاح أجزاء من نيجيريا، التي يجدر الاشارة الى انها سابع منتج للنفط في العالم.
الوطنيون النيجيريون يتهمون واشنطن بالوقوف وراء "أولاد الحرام"، وهم يسعون لزعزعة الاستقرار في شمال شرق البلاد، ويتعهدون بعدم الوقوف مكتوفي الأيدي إن غزا الأميركيون بلدهم، ويعلنون اطلاعهم على تقارير استخباراتية تربط واشنطن بالأزمة، ويؤكدون أن السماح بدخول الجنود الأمريكيين إلى نيجيريا، يعني بيع البلاد مباشرة إلى المستعمر، ويدعون لحشد القوى الشعبية للوقوف ضد التدخل الذي يؤكدون أنه يتم لأسباب اقتصادية، لا علاقة لها البتة بقضية الطالبات المختطفات، علماً بأن نيجيريا، وعديد سكانها يقترب من 170 مليون نسمة، هي أكبر سوق أفريقي للمنتجات الأميركية، وخامس أكبر مورد للنفط للولايات المتحدة.
لمن يهمه الأمر من المدافعين عن الإسلام، على طريقة داعش وبوكو حرام، فإن الاستخبارات الأميركية أعدت تقريراً قبل أعوام من نشوء هذا التنظيم، تنبأت فيه بانهيار نيجيريا قبل العام 2015، وفيه فقرة خطيرة تشير إلى أنه ربما تمس الحاجة إلى مساعدة دولية كبيرة، لعودة الأمور إلى نصابها في حال مثل هذه الاضطرابات، وأن العالم لا يمكنه مشاهدة انزلاق البلاد إلى الفوضى، ما يدفع للسؤال عن أهداف نشأة بوكو حرام، التي بات واضحاً ومؤكداً أن نشاطها يستهدف بدعم واشنطن إعادة استعمار نيجيريا، من خلال اختلاق الأزمات التي تستدعي التدخل الخارجي، علماً بأن الربط بين التمرد في نيجيريا والمصالح الاستراتيجية الأمريكية، يقود إلى حقيقة أن واشنطن لن تغامر في أي مكان إلاّ دفاعاً عن مصالحها.
وبعد، أليس من حقنا القول بأن جماعة المختطفين ليست غير "عصابة أولاد حرام".
إسلام أولاد الحرام!
[post-views]
نشر في: 13 مايو, 2014: 09:01 م