اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فقد يشبه الموت.. خسران ما بعده خسران

فقد يشبه الموت.. خسران ما بعده خسران

نشر في: 13 مايو, 2014: 09:01 م

لا تبدو قضية الاستحواذ على الأراضي الزراعية في جنوب البصرة مشكلة  بصرية أو عراقية حتى، ذلك لأن آثار وأخطار المشكلة في العالم باتت مثار دراسات معمقة، ولم تكن المعاناة منها وليدة اليوم فقد حدد فرد ماجدوف مؤلف كتاب( الأزمة المالية العظيمة) سنة 1700   تاريخاً لها في بريطانيا ، وفي ثلاثينات القرن التاسع عشر أحصت الولايات المتحدة مئات الملايين من الفدادين الزراعية المغنومة وعرضتها للبيع، وبدعوى التأقلم مع المجتمع والاقتصاد الأمريكيين خسر الهنود الحمر مساحات شاسعة من أراضيهم. ونتيجة لذلك يقول مايكل لويس وهو شخصية مهمة ورئيس صندوق تحوط :"ستكون الأراضي الزراعية المنتجة ثمينة للغاية في المستقبل" وبما ان إنتاج الغذاء يتطلب كثيرا من المياه فان الاستحواذ على الأراضي في جنوب العالم متعلق بالمياه بقدر ما هو متعلق بالأرض نفسها.
  وفي الوقت الذي نعتبر فيه العراق والبصرة بخاصة أرضاً معزولة عن العالم بسبب السياسات المرتجلة للأنظمة المتعاقبة تصبح القضية أبعد من خسران مساحات زراعية وهجرة ملاكين وفلاحين وشح في الإنتاج وخسارات مادية كبيرة، إذا ما علمنا بان التغيير أودى بحلقات التأريخ وحرّف خرائط الجغرافيا وبدل الطبائع والسنن وأجهز على مجموعة القيم الاجتماعية، فضلاً عن الخراب البيئي بما فيه حركة الكائنات الحية مثل الطيور والأسماك والحيوانات الأخرى. الأمر الذي لا تلتفت اليه المؤسسات الرسمية العراقية وتتناغم على تركه معها غالبية المنظمات المدنية التي تبحث عن السطحي والشائع وتغفل الجوهري وما يمس حياة الناس بشكل مباشر.
   وفيما تعمل الدول الصناعية المتقدمة على موازنة اقتصادها بين الزراعي والصناعي تتخبط الدول في جنوب العالم في بناء اقتصادياتها ولأن الطبيعة المطرية ووفرة المياه في الدول تلك تساعدان على ديمومة المساحات الخضراء او انتقالها من مكان لآخر، فقد تمكنت من الحفاظ على توازن منطقي يحول دون غلبة المدينة على الريف، غير ان ما يحدث لدينا في العراق والبصرة بخاصة نتيجة تكالب شركات النفط وعشوائية البناء الاقتصادي والنمو المضطرد في رأس مال محدثي النعمة، لا يمكن وصفه إلا بالجور والتعدي على حقوق المواطن في العيش داخل بيئة يفترض أنها بيئة آمنة . ولا يقف الأمر عند قضية الحياة وسبل العيش وموجبات الوجود الآدمي في الطعام والماء والعمل فهذه قضايا قلما يحصل عليها كاملة إنساننا اليوم، ذلك لأن العواصف السياسية-الاقتصادية–الأمنية، لم تترك له فرصة التفكير أبعد من ضمان سلامة جسده ليوم او لبضعة أيام. أما الحديث عن حلقات صِلاته بالأرض وارتباطه التاريخي والفلكلوري وامتداد جذوره مع مجموعة ما يحيط به فقد باتت خارج تطلعاته.
  أتوقف مع ما أتوقف عنده من أزمنة وأسماء وأماكن ضمن ما يحيط بي منها فيتملكني إحساس بان الفقد قضية تصيب الوجدان الآدمي بالصميم، وتتعدى بضررها حدود الجسد، ذلك لأنها تغور عميقة في الروح، لأن الإنسان، أي إنسان إنما هو مجموعة الأشياء تلك .
  تمر السيارة على نهر اسمه (جلّاب) متفرع من شط العرب الكبير، وأنا أتصفح  كتاباً أمامي فأقرأ من معاني التسمية بأنها فارسية من مقطعين ( كَل) الكاف أعجمية بمعنى ورد و(آب) بمعنى ماء فتكون التسمية ماء الورد، النهر اسمه ماء الورد وأعرّب الكلمة، أو أقربها من الحس الشعبي فتصبح (جلاّب) من الهواء حين يطيب ويمر بارداً، منعشاً . واقرأ في الأزمنة فيقول مؤلف كتاب (أبي الخصيب وشط العرب) منصور الحاج سالم السالم بأن مرزوق أبي الخصيب، عامل الخليفة ابي جعفر المنصور هناك احتفر النهر سنة 140 للهجرة، ذلك لأني بت ألمس معاول الحافرين الأول، آبائي، فيتوقف الزمن في قلبي. ثم أتذكر بان مؤسس وباني مدرسة المحمودية الوجيه محمود باشا آل عبد الواحد أحتاج لـ 1000 بلبل، جمعها الناس من بساتين أبي الخصيب لإطلاقها يوم افتتاحها في ولاية الوالي سليمان نظيف سنة 1909 ومن ثم ليجلس على مقاعدها كل من بدر شاكر السيّاب وسعدي يوسف وسواهما . هذه ومثلها المئات كانت كافية لتشير إلى أن العبث بالحياة تجاوز الحدود كلها. كافية لأشعر بأن قطعا من جسدي باتت تتساقط تباعا مع كل جرّافة تمر، مع كل وافد يعبر مسرعاً .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سلامة بنت البصرة

    حياك . أيها الأصيل ، سلامة روحك وقلبك . لقد اوجعت قلبي .. التآلق الدائم لصدق كلماتك ..

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram