غريب.. ! لا يريد السيد نعيم عبعوب أن يختفي عن أضواء الحدث في بغداد ..! خرج علينا يوما ليعلن تصديه ببسالة لمؤامرة الصخرة، ثم اخبرنا بان العالم كله زرق ورق، فيما الفضائيات ظلت تترصد كل يوم حدثا جديدا للسيد امين بغداد لتضيفه إلى رصيد منجزاته الكبيرة.
الايام المقبلة سيعرف اهالي العاصمة بغداد ان أمينهم "المبجل" انضم الى قائمة المؤرخين وانه سينازل الخطيب البغدادي في عقر داره ، وسيتفوق حتما على ابن خلكان، وسيصبح تاريخ الطبري من مخلفات الماضي، فمطابع دمشق أصدرت للسيد الأمين سفرين خالدين ، الاول بعنوان بغداد من ذهب القباب الى حدائق الزوراء، اما الثاني فقد وضع له عنوان الوفاء من اجل بغداد.
طبعا لا نريد أن نسأل كم تكلفة هذه المطبوعات التي تتحدث عن ذكريات الف ليلة وليلة التي قضاها نعيم عبعوب في بغداد، وهو يقدم كل يوم إنجازا بعد انجاز.
وأنا اتصفح هذه المؤلفات "القيمة"، تصورت أن الأمر مجرد نكتة، أو أن الرجل يسعى في هذا الجو السياسي المأزوم الى ترطيب الاجواء وكسر الملل، غير أنه بات من الواضح أن منطق الجهل والخرافة سيستمر يحكمنا طويلاً.
يبدأ الكتاب الاول بمقدمة عن أن العاصمة بغداد التي بدأت في عهد امينها برنامجا طموحا لتحديث منظومة الخدمات، وتشعر وأنت تقلب صفحات الكتاب الثاني، وكأن البغداديون كانوا يعيشون عصور الظلام والتخلف قبل أن يمنّ عليهم الرحمن بالأمين عبعوب، ولم ينس أمين العاصمة أن يذكرنا بأنه تسلم تركة ثقيلة وأن الأوضاع غاية في السوء والصورة في منتهى القتامة، على نحو تسيل له دموع المواطنين إشفاقا على هذا المسؤول المسكين، الذي يحمل أمانة تنوء بحملها الجبال، ولا يغادر المطبوع صغيرة ولا كبيرة في اشهر السعد الأولى للأمين، إلا ويعتبرها إنجازا، حتى تصورت أنه سيعتبر مجرد استيقاظ الامين من نومه وذهابه إلى مكتبه هو بحد ذاته إنجاز كبير يضاف إلى سلسلة فضائل وأفضال أمانة بغداد على اهالي العاصمة. باختصار المطبوع يقدم الامانة في "السنة الذهبية الأولى لعبعوب" وكأنها فاضت على العراقيين.
اذن فلتفح ايها القارئ البغدادي فقد حصدت أخيراً النتائج المبهرة لمرحلة الانجاز العظيم لامانة بغداد، بعد أن توهم المغرضون من أمثالي ان الامانة تغط بنوم عميق، فإذا بالسيد نعيم عبعوب ينبهنا أن اكبر انجاز تحقق خلال السنوات الماضية، هو حصول العاصمة بغداد على المرتبة الثانية من بين أكثر عواصم العالم وساخة ونفايات وتلوثا بيئيا، وبعد ان كان هذا الانجاز مجرد همهمات وهمسات في غرف مغلقة، خرج الى العلن وطفح على السطح، ليثبت للعالم كيف أن سياسيينا الشجعان استطاعوا وللمرة الرابعة على التوالي ان يحققوا لبغداد مركزها المتقدم في قائمة المدن الأسوأ.
ربما نختلف أو نتفق مع السيد الامين، لكن علينا مع هذه اللفتة "التاريخية" أن نؤمن بأن الرجل يتمتع بروح الفكاهة والدعابة، إضافة إلى صفة الإصرار وعدم اليأس والدليل على ذلك أنه لا يزال يقسم بأغلظ الأيمان أن الحل في تطوير دبي وطوكيو وانتشالها من حالة البؤس والقتامة، هو في نقل التجربة العظيمة في مجال العمران والتنمية والخدمات في واحدة من اكبر مدن العالم تطورا وازدهارا هذه الايام واعني بها العاصمة بغداد.
المؤسف أن الأخبار الوحيدة التي لا تزال تنقل من بغداد، أو التي لا يزال هناك من ينقلها، هي أخبار الموت في الشوارع وحالة الخراب التي تزحف على كل شوارع وساحات العاصمة، وغياب جميع أشكال العمران والترفيه.
هل من أجل ان يكتب لنا عبعوب يومياته البغدادية ، ابتهج العراقيون بانتهاء أربعة عقود من الاستبداد والتعسف؟ ألم تكن المسألة الكبرى في شعارات التغيير، بناء بلد عصري قائم على مؤسسات فاعلة.
لا أدري من أين يأتي السيد عبعوب بكل هذه القدرة على الاستخفاف بعقول الناس حيث يريد ان يوهمنا ان اهالي العاصمة سيخرجون في مسيرة مليونية للبحث عن مؤلفاته " القيمة ، التي يسعى من خلالها للحصول على لقب أفضل " عمدة " عاصمة في العالم.
المؤرخون من الخطيب البغدادي الى عبعوب
[post-views]
نشر في: 14 مايو, 2014: 09:01 م