لا يعتبر أريك ساتي (1866-1925) من أشهر الموسيقيين الفرنسيين، فشهرة الآخرين غطت عليه ودفعته إلى الظل، مع أنه أحد أهم الموسيقيين الفرنسيين المجددين الذين رسموا الخطوات الأولى على طريق المدرسة الانطباعية في الموسيقى، لا بل يمكننا اعتباره موسيقي عابر للم
لا يعتبر أريك ساتي (1866-1925) من أشهر الموسيقيين الفرنسيين، فشهرة الآخرين غطت عليه ودفعته إلى الظل، مع أنه أحد أهم الموسيقيين الفرنسيين المجددين الذين رسموا الخطوات الأولى على طريق المدرسة الانطباعية في الموسيقى، لا بل يمكننا اعتباره موسيقي عابر للمدارس الفنية والأزمان.
لم يكمل كونسرفاتوار باريس الشهير، لأن أساتذته اعتبروه طالباً يفتقر الموهبة. وفي الحقيقة ألف ساتي موسيقاه دون دراسة موسيقية أكاديمية جدية، قبل أن يبدأ في دراسة الموسيقى مجدداً سنة 1905 في مدرسة سكولا كانتوروم (مدرسة الإنشاد) التي أدارها فنسن داندي (1851-1935). أهمية ساتي تكمن أنه كان أحد الشخصيات التي تدين لها الحياة الفنية في باريس عموماً، وعمل في كاباريه الهر الأسود (لو شا نوار) البوهيمي الشهير في مونمارتر. إذ نشط في كل الحركات الفنية الطليعية التي اكتسحت باريس منذ أواخر القرن التاسع عشر، فتعاون مع جان كوكتو ليؤلف موسيقى مصاحبة لمسرحية حلم منتصف صيف، ثم ألف باليه قدمتها فرقة سرجي غاجيليف الشهيرة بتصميم وديكور بابلو بيكاسو، وارتبط اسمه بالتكعيبية والدادائية والسريالية كذلك، ولموسيقاه الفضل في ظهور مسرح العبث لاحقا. لكن اسمه ارتبط بالدرجة الأولى بالموسيقيين الفرنسيين ديبوسي ورافيل، فقد كان تأثيره عليهما واضحاً.
وتعتبر قطعته الموسيقية القصيرة المكتوبة للبيانو سنة 1888 بعنوان جيمنوبيدي رقم 1 من بين أشهر الأعمال المسموعة اليوم، إذ استعملت في السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون كموسيقى مصاحبة بشكل كثيف. تتجلى فيها فلسفة ساتي الفنية، إذ سعى إلى بناء عالم الأصوات ليعكس الحالة المزاجية أو الشعورية (الألم أو الحزن أو غير ذلك) حتى على حساب الشكل الموسيقي والقواعد الموسيقية المتبعة لقرون عديدة. نجد فيها تتابعاً هارموني مميزاً، مع استعمال التنافر الموسيقي كوسيلة تعبير. فالمركبات الموسيقية (الكوردات) التي يستعملها كانت طليعية في ذلك الوقت، وهي تذكرنا بموسيقى الجاز والبلوز.