اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اذا أنطيك صورتي.. تجيبها فيت؟

اذا أنطيك صورتي.. تجيبها فيت؟

نشر في: 16 مايو, 2014: 09:01 م

إضافة الى سوء الفهم الذي يحمله الكثيرون حول الرسم والرسامين ، فهم لا يكتفون بذلك ، ويذهبون بعيداً في طريقة تصورهم للفن ويدفعون ريبتهم إزاءه الى أقصاها . وهذا يتكون في الغالب بسبب قصور الثقافة التشكيلية والخبرة الجمالية لديهم ، لهذا ينساقون الى عدم الفهم والخلط بين ما يتعلق بتقنيات وأساليب الرسم وعدم فهم المدارس الفنية حتى بالشكل البسيط . هم لا يفرّقون بين الموناليزا وبيكاسو ، ورغم ذلك يمدون أصابعهم باتجاه أنفك وهم يتحدثون عن الفن ويقررون - بكل تعسف - الطريقة التي يجب أن يكون عليها الرسم . لكنهم مع ذلك لا يَخلون أحياناً من بعض الطرافة التي تشفع لهم قليلاً . لقد علق بذاكرتي الكثير من هذه النماذج ، ومنهم ذلك الشاب الذي استعيد صورته كلما مرّ بي موقف من هذا النوع .
فذات صباح بغدادي قمت بركوب تاكسي قاصداً الكرادة من أجل رسم بورتريت لصديقي الشاعر سلام سرحان الذي كان يسكن هناك . كنت أحمل معي لوحة بيضاء كبيرة وحقيبة مليئة بالألوان وأدوات الرسم الأخرى . انتبه السائق الذي كان ممتلئاً ويطلق لحيته الخفيفة الى أدوات الرسم وبعض آثار الألوان الزيتية على ملابسي ، فبادرني بسؤال ( هل أنت رسام ؟ ) فأجبته بنعم وذكرت له أن عملي هو الرسم ، فأخذ يرمقني ويتفحصني كل بضعة لحظات بطرف عينه وكأنه يريد التأكد من شيء ما في خاطره ، وبعد دقائق قليلة فاجئني بسؤالٍ آخر وهو يقود السيارة بيدٍ ويحك لحيته باليد الأخرى ( أذا أنطيك صورتي ، تجيبها فيت؟) فقلت له بأني لا أرسم الصور وأن ممارستي للرسم أقوم بها بطريقة أخرى ، عندها بدأت شكوكه بالظهور حول إمكانياتي الفنية ، فأنتظر بضعة دقائق قبل أن يعاود سؤالي من جديد وهو يدير لي وجهه قليلاً ( زين تكدر ترسم مَنذَر طبيعي مضبوط ؟ ) وهو يقصد هنا منظر طبعاً ، فذكرت له بأني لا أحب الأشجار كثيراً ولا أرسم طبيعة كما هو متصور . عندها ازدادت شكوكه بي كثيراً وبدا كأنه يستعيد في رأسه بعض الأفكار والبحث عن مفتاح يسهل عليّ الأمور ويساعدني في ورطتي هذه رأفة بحالي ، فعاد يسألني وكأنه يريد أن ينهي الموضوع لصالحي ( ما هو رأيك بالزُغرفة ؟ ) وهو يعني طبعاً رأيي بالزخرفة ، فحكيت له بأن ليس لي اهتمام بالزخرفة وهي تهم المصممين أكثر ، في تلك اللحظة بدأت مخاوفه من ضعف إمكانياتي في الرسم تقترب من اليقين ، فقال وهو يتظاهر بتسهيل الأمور أكثر ( زين أنت ترسم على المربعات ؟ ) ويقصد هنا بأني أكبّر الصور عن طريق وضع مربعات عليها وعلى اللوحة البيضاء المراد رسمها لضبط النِسب . فأجبته بدعابة وأنا أحاول أن أُلطّف الجو قليلاً ، قمصاني كلها مربعات لكني لا أرسم بطريقة المربعات كذلك لا أسمع أغاني فاضل رشيد للمربعات ، يعني ، لا أنقل الصور ولا أرسم بطريقة واقعية . فنظر إليّ محتاراً وهو يبحث عن سؤال بسيط يمكن الإجابة عليه بيُسر، وأخذ ينظر الى الجهة الأخرى من الشارع وهو يقلّب الأمور في رأسه من جديد .
وقبل أن نقترب قليلاً من المكان المقصود بادرني بسؤال تمنيت أن يكون هو الأخير له ، وهو يحاول استدراجي الى شيء واضح المعالم ونعرفه كلنا ليساعدني على الخروج من هذا المأزق ، فقال لي وهو يخفف السير قليلاً ( زين ، تكدر ترسم لي صورة الحسناء والوحش؟) وكان هذا المسلسل وقتها ينال شهرة كبيرة في بغداد ، فأوضحت له بأني لا أرسم هذه الأشياء التي تقترب من البوسترات ، عندها أوقف السيارة والتفت إليّ وهو يشير بكلتي يديه الى حقيبة الألوان ويصيح بصوت عالٍ (خرب .... چا أنت شتعرف ترسم ؟!! ).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram